على مدى التاريخ البشري المعاصر ارتبطت الرياضة بمختلف الأحداث السياسية، فالبعض استغلها للترويج لأطروحاته الإيديولوجية، والبعض الآخر استفاد منها للتقريب بين الشعوب، وكانت بذلك الرياضة قطاعا مفتوحا على جميع الاحتمالات، ونتذكر أولمبياد 1938 التي احتضنتها برلين ودارت في عز الأزمة العالمية مع ظهور الأطماع التوسعية لهتلر، وكيف أنه حاول استغلال هذه الأولمبياد من أجل إبراز قوة العنصر الآري، وبعدها سنة 1974ثم اختطاف طائرة صهيونية متوجهة إلى ميونيخ من قبل منظمة التحرير الفلسطينية كشكل من أشكال الحرب ضد العدو الصهيوني، وفي سنة 1998 ظهر منتخبا أمريكا وإيران على البساط الأخضر في أول مواجهة بين الطرفين بعد صراع سياسي استمر منذ إعلان الثورة الإسلامية الإيرانية، وفي أولمبياد سيدني 2000 لبس أبطال الكوريتين زيا واحدا ولعبوا تحت راية واحدة عسى أن توحد الرياضة ما أفسدته أطماع السياسيين. وعلى المستوى العربي ظلت مصر لسنوات عديدة خارج المنافسات المحلية بسبب المقاطعة التي فرضت عليها بسبب معاهدة كامب ديفيد، والعراق بدوره عانى الأمر نفسه بعد حرب الخليج الثانية، واستمر الوضع على حاله إلى أن رفع الحصار عن الشعب العراقي المسلم. وفي كل الظروف كان للرياضيين مواقف ثابتة وواضحة، ومباشرة بعد بدأ العدوان الأمريكي البريطاني على العراق استيقظ ضمير نجوم الرياضة ليعلنوا دعمهم للشعب العراقي المسلم في كل من فرنسا وإيطاليا والبرازيل وغيرها من البطولات العالمية، فالجميع ندد واحتج عبر رفع اللافتات، وحدهم العرب ظلوا خارج التغطية، فلم نسمع أن رياضيا واحدا تحرك للاحتجاج على العدوان الغاشم، ولم يتم توقيف البطولات والتظاهرات الرياضية، واستمر الجميع في اللعب وكأن شيئا لم يقع، فاحتضن المغرب البطولة المغاربية لكرة السلة، ولم نعاين أن المشاركين رفعوا ولو أصبعا واحدا للتنديد بالحرب، ولو على سبيل الالتزام الأخلاقي، خصوصا وأن الأمر يتعلق بشعب مسلم يفقد أطفاله ونساءه وشيوخه وتدمر بنيته التحتية. وحتى بطولة العالم للشباب التي كان من المفترض أن تجري أطوارها بقطر ألغيت خوفا على حياة الضيوف، والقرار لم يعجب المنظمين الذي احتجوا عليه، ورالي البحرين كذلك ألغي خوفا على حياة الأجانب وليس تضامنا مع أطفال العراق. وإذا كان بعض العرب الموجودين بدول الخليج قد فروا بجلدهم هربا من الحرب، فإننا سجلنا الموقف الحازم للاعبين الأجانب، وعلى رأسهم روماريو الذي رفض مغادرة فريقه السد تحت أي ظرف كان، وداخل المغرب لم نسجل أي تغيير فالملاعب احتضنت كأس العرش ولم يتم تأجيله خلافا لسنة 1991 حين ألغيت جميع التظاهرات، ومحمد امجيد رئيس جامعة التنس يواصل التهييء لتنظيم جائزة للامريم، بل إنه لم يخجل وهو يعلن أن الرياضة هي إطار للسلام والتسامح، ولا يجب الخلط بين المضرب والرصاص. إنها المواقف الرسمية وغير الرسمية للأنظمة العربية والدائرين في فلكها. والرياضة كمجال للتعبير عن الرفض والإدانة لأي عدوان غاشم ضد شعب مسلم، لابد وأن تسجل موقفا واضحا وصارما، خاصة من قبل أولئك الأبطال الذين يجوبون العالم كسفراء لدولهم وكسفراء ومحبين للسلام. هل تنتصر الروح الرياضية؟ "الرياضيون لا يريدون هذه الحرب وكانوا يأملون تفاديها، ويتعين على لاعبي كرة القدم إرسال رسائل شجبها، وعلينا أن نكون مثالا للآخرين لأن ملايين الناس سيتبعون خطواتنا" بهذه الكلمات عبر صانع ألعاب جوفنتوس ونجم جمهورية التشيك الأول بافل نوفير عن رأيه في العدوان الذي تشنه أمريكا وحليفتها بريطانيا على الشعب العراقي المسلم، موقف لم يكن معزولا، ولكن عبر عن مشاعر كل نجوم كرة القدم العالمية عبر أوروبا وأمريكا، والذين رأوا في هذه الحرب تدميرا للقيم الإنسانية وخروجا عن الروح الرياضية التي يجب أن تسود العالم، فهل تنجح الرياضة فيبعث الضمير العالمي ليقف الجميع في وجه العدوان الغاصب ضد الأطفال والشيوخ والنساء، وعلى تدمير الحضارة الإنسانية الموجودة هناك في البصرة والموصل وبغداد؟ نجوم الكرة يعبرون عن مشاعر الحزن والأسى رغم آلاف الكلمترات التي تفصل القارة "العجوز" عن بلاد الرافدين، فإن نجوم كرة القدم العالميين، أطلقوا العنان لمشاعرهم وأحاسيسهم الرافضة لهذه الحرب المدمرة، فزين الدين زيدان نجم المنتخب الفرنسي وريال مدريد المنحدر من أصول عربية أكد أن هذه الحرب غير عادلة، وأنباؤها تزعجه، وهو لا يتمالك نفسه حين يفكر في مصير آلاف الأطفال وما يعانونه من ويلات القصف، ويضيف "لا أستطيع الابتعاد عن الأخبار السياسية، لكننا لا نستطيع عمل أي شيء، ومن الصعب التحدث عن ذلك، الحرب لا تروق لأحد"، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه المدرب السابق لمنتخب الصامبا لويس فيليبي سكولاري الذي رأى أنها حرب غير مفهومة، وطالب بأن يسود مزيد من المحبة وقليل من الحقد والكراهية، ولم يخرج الشيلي زامورانو عن هذا الإطار حين تمنى أن يكون محبو السلام أكثر من أولئك المؤيدين للحرب، وناشد بضرورة الاتحاد من أجل إحلال السلام وأكد النجم البرازيلي روماريو أن الحرب قذرة ومحزنة ونفى أي نية له في مغادرة الدوحة. والأندية تسير في نفس الاتجاه؟ وإذا كان هذا موقف النجوم الكروية فإن الأندية بدورها عبرت عن موقفها من الحرب حيث رفع لاعبو ريفر بلايت الأرجنتيني علما ضخما كتبت عليه عبارة "لا للحرب نعم للسلام"، وفي فرنسا التي رفضت الدخول في هذه الحرب رفعت الأندية الفرنسية لافتات تناهض الموقف الأمريكي والبريطاني وتدعو إلى وقف أعمال التدمير، وانتشرت عمليات الإدانة في اتجاه الدوري الإيطالي ووصلت إلى أمريكا اللاتينية وبالضبط إلى البرازيل، حيث حمل اللاعبون هناك لافتات ضخمة كتب عليها لا للحرب، وهي رسالة واضحة من شعوب العالم للتنديد بحرب قذرة تستهدف شعبا أعزل لا حول له ولا قوة. وأي موقف للرياضة العربية وإذا كان هذا حال لاعبي العالم البعيدين عن العراق، فإن الأمة العربية من المحيط إلى الخليج فضلت الابتعاد عن الخوض في الحرب، وتركت الأمر للسياسيين ليفعلوا ما يشاؤون، ولم نسجل أن لاعبا واحدا رفع صوته احتجاجا على الحرب، ولم يقرأ فريق واحد الفاتحة ترحما على أرواح الشهداء الذين ماتوا جراء القصف الأمريكي، بل إن الجميع انخرطوا في لهوهم والتزموا ببرامجهم الرياضية، وحافظوا على مواعيدهم وكأنها شيء مقدس، وهو أمر غير مألوف خصوصا في هذا الظرف العصيب، ولا نعرف السر وراء إصرار أصحاب القرار الرياضي على إجراء التظاهرات الرياضية في موعدها، مع أن حرب الخليج الثانية فرضت تأجيل جميع المواعيد الرياضية تضامنا مع الشعب العراقي الجريح، فلماذا هذا التجاهل وهذه اللامبالاة؟ وماذا كان سيقع لو تأجلت كرة القدم ولو أسبوعا واحدا؟ ولماذا لم نسمع أن فريقا من الفرق العربية تبرع بمداخيل إحدى مبارياته لدعم صمود العراق؟ أليس جزءا من أمتنا العربية الإسلامية، أليس أبناؤه إخواننا يعانون من ويلات الحرب والحصار القاسي؟ كيف يمكن لنا الاستمتاع بوقتنا والحضور إلى الملاعب دون أن نسجل موقفنا الرافض لهذا العدوان؟ هكذا وصلت مصادرة حرية التعبير عما يختلج في أعماقنا من حزن وألم إلى مختلف الميادين الرياضية. كفانا صمتا ولنعلن عن رأينا صراحة إن العرب أمة واحدة من المحيط إلى الخليج، وحين تتعرض دولة للعدوان من أي جهة كانت لابد وأن نقف بجانبها، وأن نعبر عن موقفنا صراحة، بعيدا عن الهاجس الأمني والحسابات الضيقة، والأبطال العرب الذين يجوبون العالم بحثا عن الجوائز والذهب والأموال لابد وأن يكون لهم حضور في وجدان الشعب العراقي، وكم كان رائعا هشام الكروج وهو يبعث رسالة حية من قلب موناكو ليتضامن مع أطفال العراق وفلسطين، وحتى إن خلف ذلك ردود فعل سيئة لدى المجرم بوش والدائرين في فلكه، فإنه على الأقل أعطى إشارة واضحة مفادها أن أبطال الرياضة بإمكانهم أيضا تقديم الدعم والمساندة، وأن يكونوا مثالا يحتدى بعيدا عن الخوف والصمت الرسمي. محمد والي