قال أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، إن الإحصاء العام للسكنى والسكان لسنة 2014، "يأتي بعد الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي عرفها المغرب، والتي وضعت قضايا مجتمعية في الواجهة"، مشيرا في حوار مع "التجديد"، أن مجمل تلك القضايا "تتطلب أرضية وقاعدة من المعطيات، في إطار النقاش المجتمعي والسياسي، وتتطلب مؤشرات اجتماعية واقتصادية وثقافية، سيوفرها الإحصاء العام لسنة 2014". وشدد المندوب السامي على أنه بعد الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، تظافرت الجهود للإعداد الجيد لهذا الحدث الكبير الذي سيشهده المغرب، وأكد على أن الاستعدادات شملت بالإضافة إلى الجانب التقني، ما يتعلق بالجانب القانوني، حيث وقع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مؤخرا على مرسوم حكومي يتم بموجبه تحديد فترة إنجاز الإحصاء العام، ويتعلق الأمر بالفترة الممتدة من فاتح شتنبر إلى 30 شتنبر 2014. وتحدث أحمد لحليمي في الحوار الذي أجرته معه جريدة التجديد عن إجراء الإحصاء التجريبي، والخلاصات المستقاة والتعديلات التي شملتها الاستمارة على ضوء نتائج الإحصاء التجريبي. - أين وصلت استعداداتكم بالمندوبية السامية للتخطيط للإحصاء العام للسكان المقبل؟ ** لقد انتهت عملية الأشغال الخرائطية التي يتم على نتائجها تحديد الوحدات المجالية الأساسية لإنجاز إحصاء السكان، ولقد وصل عددها 48 ألف منطقة إحصائية. وتطلبت تعبئة ميدانية واسعة لأطر المندوبية خلال سنة ونصف انتهت في أواخر شهر دجنبر 2013، وأصبحنا معها متأكدين من عدم إغفال أية وحدة سكنية مهما كان حجمها وموقعها على امتداد المجال الوطني. وقد انتهت صياغة الاستمارة التي سيتم على أساسها استجواب الأسر والأفراد خلال الإحصاء، فيما وضعت صيغة مشاريع النصوص التنظيمية المؤطرة للإحصاء، كالتي تحدد فترة إنجازه أو التي تحدد قيمة التعويضات التي ستصرف للباحثين والمؤطرين في انتظار تحديد المواصفات التي يجب توفرها في مختلف فئات الباحثين والمراقبين والمشرفين، موازاة مع فتح باب الترشيح لهذه المهام. واعتمادا على الأشغال الخرائطية ومحتوى الاستمارة تم إنجاز إحصاء تجريبي للتأكد من ملائمة الحجم المتوقع لمناطق الإحصاء، مع قدرة الباحثين على تغطية وحداتهم الإحصائية في المدة المقررة للعملية برمتها، على الصعيد الوطني، ومن التأكد من مدى قدرة المواطنين على استيعاب الأسئلة التي تتضمنها الاستمارة وأسلوب صياغتها. - أنجزتم الإحصاء التجريبي، ما الخلاصات التقنية أساسا التي خلصتم إليها؟ ** اتضحت ضرورة إعادة النظر في توزيع الباحثين على بعض المناطق الإحصائية، اعتبارا لما تبين من مستوى كثافة سكانها. فيما اتضح عدم استعداد كثير من المواطنين للإجابة التلقائية على بعض الأسئلة كالتي تهدف إلى تتبع الحمل أو إلى معرفة عدد الزيجات أو بعض الأسئلة حول الأنشطة الفلاحية بحكم ما هو معروف من تعدد أنماط الملكية والاستغلالية في الفلاحة والماشية بالمغرب. وعموما فالإحصاء التجريبي سمح بإعداد النسخة الشبه نهائية للاستمارة وتحديد عدد مناطق الإحصاء التي يجب الاعتماد عليها، وبالتالي عدد الباحثين والمراقبين والمشرفين وحجم الوسائل اللوجيستية الضرورية لإنجاز هذه العملية الوطنية الكبرى. - ماذا عن الإجراءات القانونية لتهييء مشاريع القوانين؟ ** منذ صدور الرسالة الملكية السامية الموجهة للسيد رئيس الحكومة حول إحصاء 2014 ارتفعت وثيرة الاستعدادات في هذا الجانب بالذات، حيث تم إعداد مشروع المرسوم الذي يحدد الفترة الزمنية التي سينجز فيها الإحصاء، وهي كما هو معروف من فاتح شتنبر إلى 20 شتنبر من هذه السنة، وقد وقعه رئيس الحكومة مؤخرا، وينتظر صدوره في الجريدة الرسمية، كما تم إعداد نصوص تنظيمية أخرى من المنتظر صدورها قريبا. - أي أهمية مرتقبة للإحصاء العام في مسيرة التنمية واتخاذ القرارات المحددة للسياسات العامة المستقبلية للدولة ؟ ** كما أشارت إلى ذلك الرسالة الملكية السامية، هذه العملية تتميز ظروف إنجازها بما تعرفه الساحة الوطنية من إصلاحات دستورية وضعت قضايا مجتمعية في صلب الاهتمامات المؤسساتية للسياسات العمومية، كقضايا المجتمع المدني والمرأة والشباب والطفولة، وكلها قضايا تتطلب معالجتها قاعدة من المعطيات والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحينة، من شأنها توفير أرضية موضوعية للحوار الوطني واتخاذ القرارات. والإحصاءات العامة هي التي تعطي قاعدة من المعلومات بدقة وشمولية لا مثيل لهما، ليس فحسب للمجموعات البشرية الوطنية والجهوية والمحلية ولكن أيضا للمجموعة الدولية، علما بأن المعلومة الإحصائية أصبحت اليوم خدمة ذات استعمال دولي، ومن هنا توصيات الأممالمتحدة التي تحث كل بلد في العالم على القيام بهذه العملية مرة كل 10 سنوات على الأقل. فالإحصاء هو العملية التي توفر معطيات عن الساكنة القانونية والتي يتم اعتمادها في العمليات الانتخابية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي تحديد علاقات التعاون الدولي. ويجب هنا تنبيه الرأي العام إلى أن الساكنة القانونية تشمل السكان المغاربة والأجانب المقيمين ببلادنا، فيما يتم إحصاء المغاربة غير المقيمين في المغرب في البلدان التي يقيمون بها. وبهذا فإن عدد السكان القانونيين لا يتضمن المغاربة غير القاطنين بالمغرب والذين قد يكون عددهم حسب بعض التقديرات ما بين 4 و5 ملايين. ومن المعطيات التي يوفرها الإحصاء العام والتي لا يوليها الرأي العام أهميتها القصوى هي التي يتم اعتمادها في إعداد العينة الرئيسية التي على أساسها تسحب عينات كافة البحوث الإحصائية لدى الأسر والأفراد خلال العشر سنوات التي تلي الإحصاء، سواء من طرف المندوبية السامية للتخطيط أو من طرف جهات أخرى حكومية كانت أو غير حكومية، وطنية أو أجنبية أو دولية. علما بأنه ومهما كبر حجم عينات هذه البحوث الإحصائية، فإن الإحصاء العام للسكنى يظل هو الوحيد الذي ييسر معرفة الخاصيات الديمغرافية والسوسيو اقتصادية والثقافية على مستوى أبسط الوحدات الجغرافية القاعدية في المغرب، كالجماعات المحلية بل والأحياء والدواوير، كما يمكن من الإلمام بتطور السكن كما وكيفا، وإبراز الحاجيات في هذا الميدان، مما يساعد على وضع الاستراتيجيات الكفيلة بإنقاذ القطاعات المتهالكة منه وإعادة هيكلتها، وتلبية الطلب المتزايد على مختلف أنواع السكن والتجهيزات المرتبطة بها في المدن والبوادي. - يأتي تنظيم الإحصاء هذه السنة على بعد أشهر من مرحلة تقييم مستوى إنجاز أهداف الألفية للتنمية البشرية، في أفق 2015، ألا تعتقدون أن الإحصاء الحالي للسكان سيكون له الأثر المهم في تحديد أهداف الألفية للتنمية البشرية للمملكة المغربية؟ ** بالفعل سيمكن الإحصاء العام من التوفر على معطيات على الصعيد الوطني والجهوي والإقليمي والجماعي في الميادين المتعلقة بأهداف الألفية للتنمية، كظاهرة الفقر والهشاشة إذ ستمكن معطيات الإحصاء مع التي سيوفرها البحث الوطني حول استهلاك الأسر، من تحيين خريطة الفقر بالمغرب أو كمستويات التمدرس، حيث سيوفر الإحصاء معطيات ديمغرافية حسب السن، لقياس النسب الصافية للتمدرس، ومن ضمن المؤشرات الأخرى المحددة لأهداف الألفية التي سيرصدها الإحصاء، ما يتعلق بالتشغيل ومحو الأمية والمساواة بين الجنسين ووفيات الأطفال وظروف السكن. هذا وسيتيح الإحصاء العام معرفة الفوارق بين مستوى التنمية البشرية للجهات والفئات الاجتماعية ومدى تفاوتها في الاستفادة مما تعرفه بلادنا من تطور في هذا الميدان. كل هذا سيعطي الفاعل السياسي سواء كان حكومة أو أحزابا أو نقابات أو جامعات أومراكز البحوث، صورة واضحة عن الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تعرفها بلادنا، والمحددات التي تؤثر في ظروف معيشة السكان، مما يوفر لكل طرف من الأطراف الفاعلة في المجتمع من تحديد استراتيجياته بالاعتماد على معطيات موضوعية ومحينة، فالأسر نفسها يمكنها أن تعتمدها لتغيير نمط استهلاكها، وقد تستفيد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بدورها من نتائج الإحصاء العام بتقييم التوزيع الجغرافي لبرامجها وتكوين صورة واضحة على تطور التفاوتات المجالية والاجتماعية خلال العقد الأخير. وهكذا سيتوفر المغرب في بداية 2015 على صورة واضحة عما حققه من أهداف الألفية في أفق سنة 2015، كما حددتها الأممالمتحدة، وإذا كان هناك نقص يمكن أن يتم تداركه في سنة أو سنيتن، وفي نفس الوقت، سيتوفر على أرضية لتقييم الحاجات والإخفاقات ويتضح ما يجب اعتماده من أهداف التنمية لما بعد 2015، فمثلا من المحقق أن التعليم الابتدائي لن يكون موضوع هدف جديد ل 2015، من الناحية الكمية على الأقل، لكن من المنتظر أن يكون التعليم الثانوي أو ما قبل الابتدائي من بين الأهداف الإنمائية الحيوية استجابة لضرورات النمو والتنمية البشرية في مغرب ما بعد 2015. - كيف يمكن للإحصاء أن يرصد أيضا حركية المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة؟ ** أصبحت الحركية المجالية للسكان إحدى اهتمامات التفكير في ميدان التنمية، نظرا لكونها تتأثر وتؤثر في التطور والتوزيع الجغرافي للنشاط الاقتصادي، ومن نتائج الإحصاء رصد تطور جاذبية الجهات والمدن، خاصة منها التي أصبحت تطمح إن تكون أقطابا اقتصادية كبرى والإحاطة مثلا بإشكالية الهجرة داخليا وجهويا ودوليا وبالذات في الظرفية الراهنة التي تعرف فيها بلادنا ظاهرة الهجرة من الجنوب لن يزيد التغيير المناخي وثيرتها إلا تصاعدا أصبحت ضرورة معالجتها إحدى أولويات الدولة المغربية. أما فيما يتعلق بالحركية الاجتماعية، فإن المعطيات التي يوفرها الإحصاء العام، خاصة معطيات الديمغرافيا والتشغيل والتعليم والسكن، تعطي صورة عن التحولات التي عرفها المجتمع المغربي خلال العقد الأخير وتؤشر عن تحولاته المستقبلية. ومن أهم هذه التحولات التي سيتم الاهتمام برصدها، تطور السلوك الإنجابي للمرأة وحركية الشغل بين القطاعين الفلاحي والغير الفلاحي، وتعليم الفتيات والسكن غير اللائق، إلخ. - ربما هناك أسئلة جديدة في استمارات إحصاء 2014 حول النقل والهجرة ما الغاية منها؟ ** يهتم إحصاء 2014 بمواضيع تدرج لأول مرة في الاستمارة. وقد تم تحديدها بعد استشارة واسعة أثناء إعداد هذه الاستمارة مع القطاعات الحكومية على الخصوص، لمعرفة الانتظارات والاستجابة للحاجيات القطاعية الأساسية بقدر الإمكان. لم نستطع الاستجابة لكل التطلعات بطبيعة الحال، وإلا لكانت الاستمارة غير قابلة للإيفاء بوظيفتها في المدة المحددة للإحصاء. إلا أن إحصاء 2014 سيعرف مع ذلك إضافات جديدة مقارنة مع 2004 منها ما يتعلق بالقطاع الصحي، وبالتحديد بظاهرة الإعاقة، وكذا ما يخص نوعية السكن ومواد بنائه ومدى متانته، وذلك ترقبا لأن نوفر للسياسة السكنية معطيات دقيقة في جميع المستويات. ومن المواضيع الجديدة أيضا، موضوع النقل، حيث ستتوفر معطيات مهمة حول المسافة التي يعبرها الموظفون والمستخدمون والتلاميذ والطلبة للتنقل بين مساكنهم وأماكن العمل أو الدراسة ووسائل النقل التي يستعملونها، وكذا مدى قدرة المسالك القروية للدفع بعجلة التنمية، فحين يوفر للمزارع إمكانيات الوصول إلى السوق بسهولة ويغير نمط منتوجه ليستجيب لمتطلبات السوق مما يرقي من دخله النقدي ومن استثماراته. وبصفة عامة، سيمكن الإحصاء العام من تقديم معطيات دقيقة لأصحاب القرار السياسي، لتحديد المواقع الجغرافية التي تقتضي التدخل على المستوى الطرقي قبل مناطق أخرى، وكذا تحديد الأولويات حسب الجهات، وسيوفر الإحصاء العام معطيات حول إشكالية النقل خاصة داخل المدن الكبرى، بما يسمح لأصحاب القرار باتخاذ القرارات المناسبة في تدبير هذا القطاع. وقد تم إدراج أسئلة أخرى تعد جديدة لمعرفة مدى انفتاح الأسر المغربية على التكنولوجيات الحديثة كالهواتف النقالة أو الأنترنيت. - هل هناك جديد بخصوص الآلية التي يرتقب استعمالها لمعالجة المعطيات في ظل التطور التكنولوجي الحالي؟ ** سنستمر في استعمال القراءة الآلية للوثائق، أي أن الاستمارات التي ستعبأ، نقوم بترقيمها آليا، قبل معالجتها من طرف الإعلاميين المختصين بالمراقبة والتحليل وهي نفس التكنولوجية التي استعملناها في إحصاء 2004، ولمعرفة مدى أهمية هذه التكنولوجية، أذكر هنا أنه في إحصاء 1994 لم تعالج إلا 20 بالمائة من الاستمارات، وتطلب ذلك سنتين ونصف، في حين تمت في 2004 معالجة شاملة لكل الاستمارات في ثمانية أشهر، فيما تم نشر عدد الساكنة القانونية للمغرب بعد أقل من شهرين ونصف. آنذاك كنا مضطرين للاستعانة بخدمات شركة فرنسية كانت تتكفل عن طريق هذه التقنية، بإعداد نظام احتساب مستحقات الضرائب على الفرنسيين لفائدة الحكومة الفرنسية. والآن فإننا سنستعمل هذه التقنية وبنفس الدقة لمعالجة إحصاء 2014 دون اللجوء إلى أي مساعدة أجنبية حيث استوعبتها أطرنا بكيفية تامة. وقد قمنا بعمليات للتجربة، وأثبتت أطرنا المغربية كفائتها في هذا المجال. فتح باب الترشح للمشاركة في عمليات إنجاز الإحصاء العام فتحت المندوبية السامية للتخطيط، باب الترشيح للمشاركة في عمليات إنجاز الإحصاء العام للسكان والسكنى لشتنبر 2014، وذلك لفائدة موظفي الإدارات العمومية، ومستخدمي المؤسسات العمومية وشبه العمومية، والجماعات المحلية، وكذا طلبة التعليم العالي بمستوى باكالوريا زائد سنتين على الأقل من جامعات ومدارس ومعاهد تكوين أطر ومؤسسات التكوين المهني، علاوة على حاملي الشهادات العليا وأطر المجتمع المدني وكل من له المؤهلات للقيام بهذه المهام بحكم تجربته في هذا المجال على الخصوص. وتشمل المهام الممكن إسنادها للمترشحين، فئات المشرفين الجماعيين المكلفين بالإشراف على هذه العملية من الناحية التقنية والإدارية والتنظيمية في إطار اختصاصهم الجغرافي، والمراقبين سواء منهم المكلفين بتكوين الباحثين أو الذين سيؤول إليهم تأطير الفئة الثالثة المكونة من الباحثين، وكذا الباحثين الذين سيقومون بتعبئة الاستمارات عند زياراتهم للأسر أثناء إنجاز الإحصاء. وتتوزع فترات العمل المرتقبة لكل فئة من الفئات المذكورة، والتي تشمل التكوين والإنجاز، على الفترة الخاصة بالمشرفين الجماعيين (من 16 يوليوز إلى 20 شتنبر 2014)، والفترة الخاصة بالمراقبين المكلفين بالتكوين (من فاتح غشت إلى 20 شتنبر 2014)، والفترة الخاصة بالمراقبين والباحثين (من 15 غشت إلى 20 شتنبر 2014). ودعت المندوبية الراغبين في المشاركة، ممن لهم المؤهلات المطلوبة أن يبادروا بتعبئة المطبوع المخصص لهذا الغرض، والموضوع رهن إشارتهم في الموقع الإلكتروني للمندوبية السامية للتخطيط، أو في الموقع الخاص بالإحصاء المنجز حديثا، وذلك ما بين 20 مارس و30 أبريل المقبل.