في مجتمع نشأ على قيم الثقة والحب وحسن الجوار، لا يصدق أحد منا أن بعض ممن نثق فيهم ونوصي أطفالنا بحسن معاملتهم واحترامهم هم في الأصل ذئاب بشرية يتحينون الفرص للانقضاض على أطفال واغتصاب براءتهم وأحلامهم والحكم على أسرهم بالمعانات الأبدية بين المستشفيات و مخافر الشرطة و ردهات المحاكم، بحثا عن علاج عضوي ونفسي للطفل المغتٓصب وحكم قضائي ينتقم من المجرم وينصف الأسرة المكلومة ويعيد لها جزءاً من كرامتها. فاطمة (اسم مستعار) أم لطفل تعرض للاغتصاب منذ سنتين من طرف بقال الحي بمدينة الفنيدق، ومنذ ذلك الحين انقلبت حياة الأسرة رأسا على عقب بعد أن كانت تنعم في الهدوء والطمئنينة في مدينة صغيرة هادئة، والمتهم ما يزال حرا طليقا يتصيد الفرص للنيل من براءة أطفال آخرين0 تحولت حياتي إلى جحيم وماعدت أرى الخير في أي أحد، ظلموني ودمروا أسرتي، بهذه العبارات وبدموع الأم المكلومة التي لا تطيق الاعتداء على فلذات كبدها، بدأت فاطمة تحكي لي قصتها من البداية إلى اليوم، من اليم الذي تعرض طفلها للاغتصاب وكيف علمت بذلك وكيف تم إلقاء القبض على المجرم؟ وكيف تم فبركة الملف ليخرج بالبراءة بعد أربعة أحكام قضائية بما فيها محكمة النقض؟. كان منتصف نهار يوم الأحد 18 مارس 2012، أرسلت فاطمة طفلها ذو السبع سنوات إلى بقال الحي الذي لا يبعد عن المنزل سوى ببضعة أمتار كي يأتيها بخمس بيضات، وعند وصوله إلى صاحب المحل طلب منه هذا الأخير أن يدخل بنفسه ويأخذ البيض، وكانت غايته أن يستدرجه إلى الداخل وهو ما نجح فيه بالفعل، فقام بتعصيب عيني الطفل تحت التهديد ونزع منه سرواله ومارس عليه نزوته بكل وحشية0 فلما شعرت الأم بتأخر طفلها نادته من النافذة فأسرع البقال إلى تسريح الطفل محملا بالبيض وبعض الحلوى طالبا منه عدم البوح بأي شيء لأي أحد0 تقول فاطمة أنها لم تلاحظ أي شيء في البداية ولم تشك في الأمر، لكن في اليوم الموالي أخذه والده إلى المدرسة كالعادة ولاحظ أن ابنه يحك دبره بأصابع يده، ويقوم بحركات غريبة، فلما سأله عن سبب ذلك ارتبك الطفل وأجاب بأن لا يحس بأي شيء، لكن بقيت الشكوك تدور في نفس الوالد لأنه لم يتعود على رؤية ابنه على هذا الحال0 في اليوم الثالث لاحظ الأب نفس الشيء على طفله وبحدة أكبر، فطلب من زوجته أن تحقق مع ابنها الذي اتضح أنه يشعر بألم ما في على مستوى الدبر0 في البداية تهرب الطفل من أسئلة أمه، لكن بعد أن نزعت سرواله وتأكدت من تعرضه لاعتداء جنسي، وآثار الجروح بادية عليه، اعترف وهو يبكي ويتوسل بأن بقال الحي استدرجه وقام بتعصيب عينيه واغتصبه تحت التهديد من الرفض، والتخويف من البوح بذلك لأي كان. " تمنيت لو بلعتني الأرض في تلك اللحظة أو مت قبل أن أرى ابني يُغتصب" تقول فاطمة وهي تكفكف دموعها التي لم تتوقف طيلة المقابلة الصحفية مع جديد بريس، وتضيف أنها توجهت هي وزجها مباشرة إلى أقرب مخفر شرطة لوضع شكاية ضد المعتدي، "كل شيء وقف ضدنا بما في ذلك الحظ، فقد طلبت منا الشرطة إحضار شهادة طبية تثبت تعرض طفلي للاغتصاب، وكان الأطباء ذلك اليوم يخوضون إضرابا وطنيا فاضطررنا إلى البحث عن طبيب محلف يعمل في القطاع الخاص، وبالكاد وجدنا واحدا أثبت بعد الفحص أن الطفل تعرض فعلا لاعتداءٍ جنسي". كانت هذه بداية معاناة مريرة تخوضها الأسرة بكامله، ستستمر لسنتين ولا أفق لانتزاع حكم قضائي منصف وعادل. من مخفر الشرطة بالفنيدق الى المحكمة الابتدائية بتطوان لرفع دعوى قضائية ضد الجاني، بتهمة التغرير بقاصر والاعتداء عليه جنسيا تحت التهديد، لتقضي الغرفة الجنائية الأولى بعد المداولات بالحكم عليه بالبراءة من التهم الموجهة إليه بتاريخ 24 يوليوز2012، وبررت ذلك بحسب منطوق الحكم الذي تتوفر جديد بريس على نسخة منه بأن "تصريحات القاصر من خلال تفحص طبيعتها الشرعية فإنها لا ترقى إلى مرتبة الدليل بل تبقى تصريحات صادرة عن قاصر00وبالتالي يبقى الملف خال من أية وسيلة إثبات أمام انعدام أدلة قوية خالية من الشك" ولذلك فإن "المحكمة اقتنعت بعدم ثبوت الجريمة في حق المتهم ويتعين الحكم ببراءته منها"0 انهارت ثقتي في القضاء وشعرت بأن طفلي تعرض لاغتصاب أكثر قسوة من الأول، تصف فاطمة شعورها بعد سماعها للحكم الذي لم ينصفها، وجعلها تدخل في حالة من الاكتئاب، خصوصا وأن ملف الدعوى يتضمن شهادة طبية من طبيب شرعي محلف تثبت تعرض ابنها لاعتداء جنسي وتحدد عجزه في 25 يوما، بالإضافة الى تقرير طبيب نفساني يثبت تدهور الحالة النفسية للطفل، وتراجع مستواه الدراسي بعد أن كان يحصل على النقط الأولى قبل حصول الاعتداء0 اضطرت الأسرة إلى الانتقال للسكن بمدينة تطوان هربا مما قالت فاطمة إنه العار الذي شعرت به، وصونا لكرامة الطفل ولمساعدته على نسيان الواقعة والتأقلم من جديد مع الحياة، لكن في نفس الوقت أعلنت حربا ضد من انتهك عرض طفلها الصغير ولجأت إلى الجمعيات الحقوقية ونشر قضيتها عبر الصحافة حتى اشتهرت قضيتها باسم "أم طفل الفنيدق" عساها تنتزع شيئا من كرامتها التي قالت إنها فقدتها منذ ذلك اليوم، ولن تستعيدها إلا بعد أن ينصفها القضاء بإدانة المتهم في محكمة الاستئناف بعد أن نال البراءة في الحكم الابتدائي0 أعادت محكمة الاستئناف الأمل إلى فاطمة وأسرتها بعد أن أدين المتهم بسنتين سجنا نافذا مع أداء غرامة مالية قيمتها ثلاث مائة ألف درهم لفائدة الأسرة، بعد أن ثبت للمحكمة قيام المتهم بجريمة الاعتداء الجنسي على الطفل، مما ألحق به و بأسرته أضرارا مادية ومعنوية، وبذلك -حسب نص الحكم- تم إلغاء الحكم الابتدائي و الحكم من جديد بإدانة المتهم ومعاقبته0 لم تكن فاطمة تضع في الحسبان أن حلمها بإدانة المتهم سيتبدد بعد أن تحقق، وأنها كما اعتبرت الحكم على المتهم بالبراءة ابتدائيا بمثابة اغتصاب جديد لابنها، قبل ان تنصفها الاستئنافية، ستجد نفسها مضطرة من جديد لخوض جولة جديدة بين مكاتب المحامين وردهات المحاكم ومقرات الجرائد، بعد أن قضت محكمة النقض بالرباط ببطلان الحكم الاستئنافي القاضي بحبس المتهم وأدائه غرامة مالية، لتجد المتهم ينال البراءة من جديد، بعد إعادة النظر في الحكم من جديد بنفس المحكمة التي أدانته من قبل. فاطمة ورغم أن مستواها الدراسي لا يتجاوز السنة الثالثة من التعليم الإعدادي، أصبحت لها ثقافة قانونية محترمة بما عانته ومازالت تعانيه من أجل ألا يبقى الذئب خارج أسوار السجن. "تدمرت أسرتي، وحياتي الزوجية لم تعد كما كانت" تقول فاطمة بحتق كبير وغصة في الحلق ودموع لا تنقطع، فقد تركت زوجها وطفلها في تطوان وبنتها التي لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات تركتها عند أختها بالدار البيضاء وتأتي كل يوم إلى الرباط محملة بحقيبة مثقلة بلفها الذي يحتوي عشرات الوثائق، تبحث عن من بإمكانه مساعدتها بعد أن فشلت في محاولتها تقديم ملفها للملك أثناء إحدى زياراته لتطوان، وتم إلقاء القبض عليها والتحقيق معها لخمس ساعات. من خلال الوثائق التي حصلت عليها جديد بريس فيما يتعلق بقضية طفل الفنيدق، تقول فاطمة أن الأمر فيه تلاعب، حيث أنها تقدمت بطلب النقض في نفس اليوم الذي تقدم فيه المتهم بالنقض، لكن عوض ضم الملفين في قضية واحدة فإن ملفه هو وصل في يوم قبل اليوم الذي وصل فيه ملفها الى محكمة النقض ما جعل من الصعب ضم الملفين، إضافة إلى أنها تفاجئت بمحام يرافع عنها لا تعرفه ولم تقم بتوكيله، ما جعلها تشك في أن جهات ما بمدينة تطوان لم تحدد هويتها تقف إلى جانب المتهم كي ينال البراءة بأي وجه كان. حاولت تقديم ملفها للملك ففشلت، وحاولت لقاء وزير العدل ففشلت، وحاولت إقناع القضاء بعدالة ملفها ففشلت، لكنها ما تزال مستمرة في البحث عن باب يوصلها إلى من بيده أن ينصفها ويعيد لطفلها بسمة ولو ناقصة، ويعود للأسرة دفئها ولمام شملها وهدوء الحياة الذي افتقدته منذ سنتين. "إن خاب أملي في الأرض فإن لي رب في السماء لا يخيب عنده مظلوم" تختم فاطمة قصة معاناتها ونضالها من أجل فلذة كبدها ومن أجل ألا يبقى المجرم حرا طليقا يتهدد أطفالا آخرين، وينال عقابه، وتعود إلى بيتها وحياتها لتتفرغ لرعاية زوجها وتربية أطفالها0