تعيش مخيمات تندوف هذه الايام الاخيرة حالة من الحراك الاجتماعي، حيث يخوض المئات من الشباب والاطفال والنساء والشيوخ نوعا من العصيان والتمرد داخل المخيمات بتندوف، للتنديد بالهجمات القمعية التي تقوم بها البوليساريو ضد فئات من المدنيين العزل المنتمين لقبيلة الركيبات السواعد المشاركين في هذا الحراك الاجتماعي السلمي وتمكينهم من ممتلكاتهم التي تم الاستيلاء عليها من طرف عناصر من ميليشيات البوليساريو، وذلك نتيجة سياسة التجويع التي تمارسها قيادة البوليساريو في حقهم من خلال منعهم من المواد الضرورية للحياة والمتاجرة في المساعدات الانسانية. ان الاجماع الدولي حول مقترح الحكم الذاتي يشكل ضربة موجعة للاطروحة الانفصالية و تصدعا قويا في بنيان البوليساريو مما ازعج قيادتها التي تتاجر بالوضعية غير الانسانية للمدنيين المحتجزين بتندوف وبحق الشعب في تقرير المصير كورقة ابتزاز للحصول على المساعدة الانسانية من طرف المجتمع الدولي، و انشاء "منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف المعروف اختصارا ب " فورساتين" يؤكد بشكل جلي وجود اتجاه قوي داخل ساكنة تندوف وداخل مكونات البوليساريو يؤمن بمشروعية الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء المغربية في اطار السيادة المغربية. - سياسة التجويع سلاح تمارسه البوليساريو لقمع المحتجزين بمخيمات تندوف إن منع وصول مواد الإغاثة الإنسانية والدواء والحاجيات الضرورية لحياة المدنيين المحتجزين في مخيمات تندوف يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني، فالمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 تمنع تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وتمنع حرمان وصول المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة مثل المواد الغذائية والأدوية ومواد الإغاثة الأولية. فالباب الثاني والباب الثالث من الاتفاقية الرابعة لجنيف 1949 يشكلان مرجعية اساسية للقانون الدولي الانساني تفرض على البوليساريو كطرف في النزاع على الصحراء المغربية ضمان السلامة الجسدية والأمنية للمدنيين المحتجزين بتندوف وحمايتهم من جميع أساليب القتل والترهيب و التخويف والأعمال الانتقامية، كما أن البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يقضي بأن توفر البوليساريو مواد الإغاثة والأدوية والمواد الأساسية الضرورية للبقاء على قيد الحياة للسكان المدنيين المتواجدين في مخيمات بتندوف. والعديد من شهادات الضحايا تؤكد على فصول ماساوية من التعذيب والانتهاكات الجسيمة في سجن الرشيد الذي يضم طبقات تحت الارض بمثابة قبور للاسرى والمدنيين المعتقلين والعديد منهم ما زال يحمل اثار التعذيب الجسدي و النفسي بفقدان الذاكرة و الاعاقة الذهنية و الجسدية . إن اثارة وضعية المدنيين المحتجزين بتندوف والتي تتوفر فيها اركان الجريمة ضد الانسانية، تستدعي تحريك اليات المتابعة الجنائية الدولية لانتهاكها لمقتضيات القانون الدولي الانساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تمثل مرجعية اساسية لضمان حماية المدنيين المحتجزين بمخيمات تندوف من جرائم البوليساريو، وذلك بتحريم الاعتداء على المدنيين أو مهاجمة أو تدمير المنشآت الضرورية لحياة المدنيين . وفي هذا السياق سبق المحكمة الوطنية الاسبانية أن فتحت ملف جرائم البوليساريو في السنة الماضية بتقديم ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني في مخيمات تندوف لشهاداتهم عما اقترفته قيادة البوليساريو في حقهم، والمحكمة الوطنية الاسبانية تعتبر أعلى هيئة قضائية في نظام العدالة الجنائية في الدولة الاسبانية، هو حدث في غاية من الاهمية من زاوية القانون الدولي الجنائي، لأن المحكمة الوطنية الاسبانية، قامت في اطار مناهضة الافلات من العقاب والكشف عن الحقيقة وتحديد المسؤوليات وإثبات الوقائع بفتح ملفات مماثلة للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني بالشيلي والهندوراس والأرجنتين. وملف جرائم البوليساريو هو معروض اليوم أمام قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية بعد الشكاية التي تقدم بها في 14 دجنبر 2007 مجموعة من الضحايا ضد قادة البوليساريو، بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة والاختفاء القسري والبالغ عددهم 29 شخصا، منهم الممثل الحالي للبوليساريو بالجزائر وممثلها السابق في إسبانيا، إبراهيم غالي، المتواجد حاليا بالجزائر ووزير الإعلام المزعوم في "الجمهورية الوهمية" أحمد بطل، ووزير التربية المزعوم البشير مصطفى السيد، والممثل الحالي للانفصاليين بإسبانيا جندود محمد. كما تتابع المحكمة الوطنية الإسبانية خليل سيدي محمد وزير المخيمات، ومحمد خداد المنسق الحالي مع المينورسو والمدير العام السابق للأمن العسكري، بتهمة تعذيب المدنيين في مخيمات تندوف . - مسؤولية الجزائر وواجب حماية المدنيين بتندوف تؤكد العديد من التقارير الدولية على أن البوليساريو تفرض حصارا على المدنيين وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة أماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية مما يؤدي الى سوء التغذية وارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والنساء و تجويع المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الاعمال الانتقامية تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف بالرغم من ان مقتضيات القانون الدولي الانساني تلزم البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال، وهو ما يثير المسؤولية الجنائية الفردية للمسؤولين في جبهة البوليساريو. في قضية ارتكاب البوليساريو للانتهاكات الجسيمة في حق الاسرى و المدنيين المحتجزين بتندوف، يبدو ان مسؤولية الدولة الجزائرية قائمة بموجب القانون الدولي الانساني الذي يلزم الدول الاطراف أن تحيل المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب فوق اراضيها الى محاكم وطنية أو تسليمهم إلى طرف متعاقد لمحاكمتهم إذا توفر على أدلة اتهام كافية لإدانتهم. فالدولة الجزائرية مسؤولة قانونيا اولا عن ضمان وضع قواعد القانون الإنساني موضع التطبيق والمتعلقة بحماية المدنيين المحتجزين في تندوف و ثانيا باتخاذ جميع التدابير الوقائية اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم ضد الانسانية في حق هذه الفئة المحمية بموجب الاتفاقية الرابعة و ثالثا بمحاكمة او تسليم في اطار التعاون القضائي كل شخص وردت معلومات تثبت تورطه في ارتكاب جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين المحتجزين بتندوف . وفي هذا الشان فالعديد من التقارير حول انتهاكات حقوق الانسان في مخيمات تندوف تؤكد على المسؤولية المشتركة للجزائر و البوليساريو في ارتكاب التعذيب في حق المدنيين بمخيمات تندوف. وتجب الاشارة الى ان مجموعة من الجمعيات الصحراوية وجهت في مارس2010 رسالة الى الامين العام للامم المتحدة تحمل المسؤولية للجزائر و البوليساريو فيما يخض الاوضاع غير الانسانية للنساء في مخيمات تندوف تطالب من خلالها بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول ملابسات الحصار المضروب على المدنيين والحرمان من الحق في التعبير والحق في التنقل وحق العودة الى الوطن الام وضرورة الكشف عن مصير العشرات من المختطفين والمفقودين. واختطاف المسؤول الصحراوي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود اثناء عودته الى مخيمات تندوف من طرف مليشيات البوليساريو داخل مناطق عازلة بالمهيريز يشكل انتهاكا جسيما للعديد من مقتضيات القانون الدولي لان البوليساريو توغلت داخل مناطق عازلة تحت سيطرة الاممالمتحدة من اجل تنفيذ عملية اختطاف مصطفى سلمى ولد سيدي مولود من خلال تبنيه للاقتراح المغربي في الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء المعروضة امام هيئة الاممالمتحدة ، وسلمته للامن العسكري الجزائري بعد اقتياده من المهيريز وعملية الاختطاف التي نفذتها البوليساريو والمخابرات الجزائرية تتوفر فيها اركان جريمة الاحتجاز التعسفي التي اعتبرها القانون الدولي انتهاك جسيم للمعايير الدولية لحقوق الانسان المتعلقة بالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية. وفي نفس السياق، فالقانون الدولي الإنساني يدمج حماية المدنيين المحتجزين في النطاق الواسع لضمانات ضحايا النزاعات المسلحة، وبالتالي تقع على عاتق الدول الأطراف التزامات دولية تكفل من خلالها حماية كل أصناف ضحايا النزاعات المسلحة. فالمادة 73 من البروتوكول الإضافي الأول تذهب إلى أبعد من ذلك وتمنح المدنيين وضعية خاصة "كاشخاص محميين"، وهو ما يعني أنهم يتمتعون بالحماية الإنسانية التي تضمنها مقتضيات القانون الدولي الإنساني من طرف الدولة المضيفة أو الدولة الإقامة في كل الظروف وبدون أي تمييز. ولكننا نلاحظ أن دولة الجوار الجزائر تبدي نوعا من الحساسية المفرطة اتجاه الزيارات الميدانية للمنظمات الحقوقية الدولية لتندوف، تحت ذريعة تشبتها بسيادتها الوطنية معتبرة قضية الوضعية الانسانية للمدنيين بتندوف جزءا من السيادة الجزائرية، وفسرت كل محاولة للفصل بينهما هي بمثابة مساس لشؤونها الداخلية، ، لدرجة أنه أضحى من الصعب والعسير على المنظمات الحقوقية زيارة تندوف. بالرغم من أن حماية المدنيين المحتجزين تثير أساسا مسؤولية الدولة المضيفة الجزائر التي تقع فوق اراضيها مخيمات تندوف.