دواوير "جامدة" تحت الثلج..! تعيش عدد من الدواوير في أعالي جبال الأطلس الكبير والمتوسط هذه الأيام حالة من العزلة التامة عن العالم الخارجي جراء قطع الطرق والمعابر بسبب تهاطل الثلوج وصلت هذه السنة حسب شهادات متطابقة إلى أرقام قياسية، إضافة فيضان الأودية وحدوث انجرافات التربة. ويواجه الساكنة هذا الظرف المناخي بوسائلهم الخاصة يعانون فيها من البرد القارس ونقص المؤونة فيما تغلق بعض المدارس أبوابها، ويعاني السكان أيضا من نقصان علف الماشية نتيجة تغطية الثلوج لكل المراعي الطبيعية، كما تزادا مآسي المرضى بسبب غياب أطر طبية قريبة وصعوبة التنقل إلى المراكز الصحية، أما تحركات وزارة التجهيز حسب شهادات الساكنة، فهي منعدمة في بعض المناطق وقليلة جدا في مناطق أخرى حيث تتم عبر فتح بعض الممرات ، فيما مبادرات المجتمع المدني بين الحين والآخر تخفف من تلك المعاناة وإن بصفة مؤقتة. التجديد اتصلت بها عدد من سكان هذه الجبال في مناطق مختلفة من الأطلس الكبير والمتوسط فحكوا عن معاناتهم ومطالبهم. عزلة.. من بين المناطق التي تعيش حصارا بكل ما في الكلمة من معنى، دواوير جماعات إمليل وأسني بإقليم الحوز سيما تلك المحاذية لجبال توبقال وأوكايمدن مثل دواوير اوسرتك وتيدلي وجليز وتمغار. ويقول إبراهيم ابن دوار "أوسرتك" أنه منذ تساقط الثلوج يوم الجمعة على جبال أوكايمدن، قطعت الطريق بالكامل على جميع الدواوير ، سواء بسبب الثلوج من جهة أوكايمدن أو بسبب مياه الوادي من جهة المنحدر القريب من مركز أسني، مما ترك الساكنة في عزلة تامة. وأضاف أن ذلك صاحبه انقطاع للتيار الكهربائي، إضافة إلى انقطاع في "شبكة المواصلات الهاتفية" لمدة يومين، مما زاد في معاناة الساكنة. وأشار أن الوسيلة الوحيدة التي تبقى لفك العزلة عن هذه الدواوير هي البغال. ويحكي السيد محماد وهو أيضا من المنطقة إن السير في طريق وعر فوق البغال محفوف بكثير من المخاطر، وقليلون من يجرؤون على ذلك، وأشار "عشت المغامرة قبل يومين، ولم أصل إلى أوكايمدن صعودا حيث يمكنني شراء بعض المؤونة إلا بمشقة الأنفس، وفي حالات كثيرة، ننزل من البغال ونقودها بحذر شديد مخافة أن تنزلق وتسقط في قاعي الوادي. وكيف يواجه الناس المرض، قال أحد الساكنة من جماعة تغدوين بإقليم الحوز حيث تنقطع الطريق بواسطة الأحجار المتراكمة بفعل مياه الشعاب "كلنا يطلب ألا يسقط أحد من الساكنة مريضا في هذه الأيام القاسية، ولكن إذا قدر الله ، نعاني الكثير، حيث يستعد رجالنا الأقوياء منهم لرحلة شاقة إلى أقرب مركز صحي، قد تجد فيه الطبيب أو الممرض أو لا تجده. ويضيف "لك أن تتصور معي حالة مريض وهو منقول على نعش الأموات، لمدة طويلة في برد قاس، ولمدة قد تزيد عن ست ساعات، وبين حمله ووضعه على الأرض من أجل قسط من الراحة بالنسبة لمساعديه، تدور في ذهنه كل ما يخطر ومالا يخطر على بالك خوفا من تدهور الحالة والموت، وقد عشت هذه التجربة لما أصبت بنزيف داخلي إثر سقوطي من درج". ويضيف "لك أن تتصور أكثر الحالة النفسية التي تعيشها بعض النساء الحوامل في هذه الحالة، وهن على وشك وضع مواليدهن في الحالات الصعبة" التي تتطلب تدخلا طبيا عاجلا. وفي أوكايمدن يعمل الساكنة على حمل المرضى فوق عربة الثلج "الترينو" لمدة قد تصل إلى اليوم بكامله، وتقول إحدى السيدات المريضات " أريد الذهاب إلى المستشفى لكني غير قادرة على ذلك، وأفضل الموت في فراشي على أن أموت في الطريق ". وفي المنطقة أيضا منعت الثلوج من فتح مدرسة رياضية تحت إشراف الجامعة الملكية للتزحلق، حيث تقرر تأجيلها إلى وقت لاحق بسبب عدم قدرة الأطفال للوصول إليها بسبب الثلوج الكثيفة. في جماعة زرقطن بمنطقة جبال تيشكا، يعيش الساكنة في دواوير جانبية مثل أرسك وإيتسوالن المعاناة نفسها مع زيادة بعض الخصوصية. ويقول سمير أحد الساكنة "بعض الدواوير تصبح في عزلة تامة، ويصبح الشغل الشاغل لهم هو كيفية تزويد ماشيتهم بالعلف الضروري بسبب تغطية الثلوج لكل المراعي الطبيعية ، وإذا سمعت الماشية لا يذهب تفكيرك بعيدا، فعلى الأكثر هو أن يتوفر الفلاح على أربع بقرات"، ويضيف الآن والحمد لله سقطت الثلوج لكنها لم تقطع الطريق "، لكن يتوقع السكان ذلك في أية لحظة مع تقدم فصل الشتاء وهطول المزيد من الثلوج، وفي هذه الحالة "يقطع الفلاحون مسافات طويلة على بغالهم من أجل جلب علف الماشية، وقد يكلفون اثنين أو ثلاثة منهم بذلك، ويتناوبون في هذه العملية إلى أن يصير الجو صحوا، نفس الحالة تعيشها الساكنة الآن في جبال أزيلال وفي أوكايمدن. وأشار أن الساكنة تعاني أيضا من نقص حطب التدفئة، وتستعد لهذا الظرف الطبيعي طيلة السنة، حيث تجمع بعض العيدان اليابسة من الغابات المجاورة، لكن ذلك لا يكون في غالبا الأحيان كافيا، وقليلون جدا من الساكنة يستعينون بقنينات الغاز أو التدفئة بأجهزة كهربائية. وأضاف أن مشكلة يعاني منها الكثير من المسافرين من مراكشورزازات، حيث يعودون أدراجهم أو يقضون الليل في الحافلة إلى حين تدخل المسؤولين من أجل إزالة الثلوج عن الطريق". وأوضح أن جمعيات كثيرة تصل إلى المنطقة من أجل تقديم الملابس الشتوية والأطعمة والأدوية، لكن البعض منها لم يعد يأتي بسبب ما سمي المضايقات التي يتعرضون لها من قبل بعض أعوان السلطة والذين يريدون التدخل في كل شيء وبشكل غير مقبول. هدر مدرسي العديد ممن تحدثوا إلينا ، قالوا إن الحالة الطبيعية للمناطق الجبلية تسبب في هدر مدرسي واضح، ويقترحون أن تتكيف الجداول الزمنية والعطل السنوية مع خصوصيات المنطقة. وتبعد المدارس في كثير من الأحيان بكيلومترات عديدة في جماعة أسني، مما يصعب معه التحاق الأطفال الصغار خاصة في الصفين الأول والثاني لبعد المساقة، وفي بعض الأحيان تبنى المدرسة في منطقة معزولة فوق ربوة، مما يزيد من قسوة البرد على التلاميذ والأستاذ مما يزيد من معاناتهم، ويضيف أحد الأساتذة أن البعض أن المداخن التي تبنى في الأقسام تكون غير صالحة، وعند استعمالها تطلق دخانا كثيفا مزعجا يضطر فيه الأساتذة إلى عدم اللجوء إليها مرة أخرى. فتح الممرات وتوزيع المعونات قال وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك عزيز الرباح، الثلاثاء الماضي بالرباط، إن الوزارة تخصص لعملية إزاحة الثلوج 17 مليون درهم سنويا وتتوفر على حظيرة لآليات إزاحة الثلوج تصل إلى 100 وحدة وأوضح الوزير، في معرض رده على سؤال شفوي حول "فك العزلة عن المناطق الجبلية " بمجلس المستشارين، أن هذه الوحدات موزعة على فرق إزاحة الثلوج التابعة للمصالح الخارجية للوزارة وتعمل في 17 إقليما يشهد تساقطات ثلجية، مضيفا أنه في حالة تساقط ثلوج كثيفة يتم الاعتماد على الآليات الموجودة على المستوى الإقليمي مع إمكانية دعمها بآليات الجهة أو حتى على مستوى الوطني وذلك اعتمادا على أسطول يتكون من 15 حاملة للآليات تضمن إيصال الإمدادات في ظرف لا يتعدى 24 ساعة. و في جبال الأطلس المتوسط، تعيش عدد من الدواوير عزلة تامة، و حسب مصادر محلية، تقوم وزارة التجهيز بفتح بعض الممرات ، والقرى المحاصرة بالثلوج تتواجد بجماعة ايت بوكماز وانركي و زاوية احنصال ( أيت عبدي ) نفس المعاناة يعيشها سكان هذه القرى كل سنة بسبب العواصف الثلجية ترتفع معها أثمنة قنينات الغاز وأعلاف الماشية وتغلق العديد من المدارس أبوابها بسبب سوء أحوال الطقس وانقطاع الطرق المؤدية إليها.