1- تقدم الحركات الإسلامية نفسها على أنها تساهم في التأطير التربوي للمجتمع. كيف تنظرون إلى مساهمتها في تربية أفراد المجتمع؟ ** الحركة الإسلامية مرتبطة بما كان قد تفشى في المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام من سلوكات، حيث ندب بعض الأشخاص أنفسهم لمواجهتها وتوعية الناس بسلبياتها، وكانت مرجعية محددة لمواجهة هذه السلوكات التي تعتبر منحرفة، وهذه المرجعية كانت متمثلة بقيم الإسلام. كانت الحركة الإسلامية تستحضر ما كان متفشيا من سلوكات وكانت تشدد على المرجعية الإسلامية بالإشارة والإحالة على القيم المتضمنة في هذه المرجعية، لذلك كانت تعطي أولوية للعمل التربوي، وكانت تنظر إلى أن عملية التغيير في المجتمع تنطلق من تحت وليس من فوق، أي أن عملية التغيير تنطلق من تغيير الفرد والأسرة، وهو الأمر الذي يدل على أن الجانب التربوي هو جانب مركزي في تفكير وأنشطة الجماعات الإسلامية بشكل عام. وقد حرصت كل الجماعات على أن تعمل على صياغة برنامج تربوي تحدد فيه تصوراتها لمفهوم التربية من خلال تعاطيها وقراءتها للمرجعية الإسلامية. وفي هذا الإطار، سنلاحظ أن القاعدة العامة في عمل الحركة الإسلامية هو إيلائها التربية المكانة المركزية والمحورية في التعاطي مع أفراد المجتمع بشكل عام. ومع مرور الوقت لوحظ بشكل عام أن بعض مكونات الحركة الإسلامية همشت إلى حد ما المسألة التربوية وأصبحت تتعاطى أو تفكر بطريقة للتغيير تركز على التغيير من فوق، وذلك من خلال إيلائها المسألة السياسية أولوية خاصة. وأعتقد أن جزء من الإشكالات الكبيرة التي تواجهها بعض مكونات الحركة الإسلامية يتمثل في عدم قدرتها على وضع الحدود الفاصلة بين ما هو تربوي وما هو سياسي، وفي نفس الوقت عدم قدرتها على تحديد الأولويات؛ ففي السابق كانت الأولوية ممنوحة للتربية في حين أنه الآن هناك تأرجح بالنسبة لبعض مكونات الحركة الإسلامية. 2- هل استطاعت الحركة الإسلامية أن تغير بعض السلوكات الجمعية للمجتمع؟ وأين يتجلى ذلك؟ ** بكل تأكيد، الحركة الإسلامية بشكل عام وإن كان هناك من ينتقدها على كونها اهتمت بالشأن العام إلا أن هذا الاهتمام كانت له إيجابياته، بمعنى آخر أن الحركة الإسلامية لم تكن تنظيمات مغلقة متقوقعة على نفسها إنما منذ البداية نزلت إلى الشارع، وهنا نستحضر أول تجربة لأول تعبير تنظيمي للحركة الإسلامية متمثلا في جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا سنة 1928، من يستحضر التجربة يتذكر أن مؤسس الجماعة بدأ عمله بالنزول إلى الشارع وباقتياد الأماكن العمومية حيث كان يحث الناس على الالتزام بالأخلاق الحميدة التي ينص عليها الإسلام. طبعا، منذ ذلك الوقت إلى الآن يمكن أن نقول إن هناك أشياء كثيرة تغيرت، وعندما نتحدث عن الدور التربوي الذي لعبته الحركة الإسلامية من خلال نشر قيم الدين نجد تعبيرات ذلك في السلوك العام للمجتمع، حيث هناك أولا ظاهرة تنامي التدين؛ في السابق كان الناس متدينون لكن اليوم يمكن أن نتحدث عن ظاهرة، فقد أصبح الناس يمارسون طقوسهم وفق ضوابط غالبا ما تكون محددة من قبل جماعة إسلامية وفق ما تفهم به الدين وتقدمه إلى أتباعها. بل أكثر من ذلك كثير من السلوكات التي كان أصحابها يستهدفون بها الدين وكثير من المواقف التي كانت تواجه الدين وتدعو إلى إحلال قيم بديلة تراجعت إلى الخلف. ويمكن أن نقول أيضا أن حتى خصوم الحركة الإسلامية تأثروا بهذا الجهد التربوي الذي بدل من قبل الحركات الإسلامية. طبعا لا نريد أن نتحدث عن طريقة التعاطي مع تصريف الخطاب التربوي هل هي سلبية أم إيجابية؟ لكن حتى خصوم الحركة الإسلامية من علمانيين وحداثيين أصبحوا أكثر حرصا على احترام الدين وتكرار أنهم ليسوا ضد الدين. وفي لحظة من اللحظات عندما كان يقال إن العلمانيين ضد إبعاد الدين عن الدولة لاحظنا بجهد الحركة الإسلامية أن العلمانيين أنفسهم أصبحوا يعتبرون أن العلمانية ليست مناهضة للدين وضد إقصائه. إذا الحركة الإسلامية من خلال تركيزها وحرصها على تصريف قيم معينة ليس من داخل إطارات مغلقة ولكن من خلال تنظيمات مفتوحة نزلت إلى الشارع للتواصل مع الناس أثرت على عموم الناس وأثرت على خصوم الحركة الإسلامية الذين اضطروا إلى تغيير مواقفهم من القيم والأمور الدينية. 3- في السنتين الأخيرتين دخل الإسلاميون إلى معترك الحكم، هذا المعطى هل يمكن أن يكون له انعكاس على أولوية التربية لدى الحركة الإسلامية؟ إلى حد ما هناك إشكالات مرتبطة بعدم قدرة بعض الجماعات الإسلامية على ضبط العلاقة بين ما هو دعوي تربوي وما هو سياسي، لنأخذ على سبيل المثال أن هناك جماعات إسلامية حرصت على القيام بنوع من التمايز الوظيفي بين الجمع بين التنظيم الدعوي والحزب السياسي، طبعا لن نتحدث عن تجربة المغرب فهي لها خصوصيتها ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار نموذج مصر حيث جماعة الإخوان المسلمين التي هي جماعة دعوية تربوية رغم أن أدبياتها تقدم الجماعة بتصور لا يفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي. إجرائيا سنة 2011 حرصت الجماعة على تأسيس حزب وهو الحرية والعدالة، لكن خلال حكم الرئيس مرسي لوحظ أنه لم تكن هناك حدود فاصلة في علاقة الحزب بالجماعة، وفي هذه اللحظة يضيع الجهد التربوي لأن الهم السياسي هو الذي يصبح طاغيا. أنا قلت في بداية سؤالك الأول أن بعض الجماعات أحيانا لا تقيم حدودا ولا تمتلك القدرة على وضع حدود فاصلة بين ما هو دعوي وما هو سياسي، بل أكثر من ذلك تغير أولوياتها بحيث عوض أن تكون الأولوية في نهاية المطاف للعمل التربوي لأن هذا أساس حتى السياسة في الفكر الإسلامي، لأن الفكر الإسلامي السياسي جزء من الدعوة، نلاحظ أنه مع التحولات الجديدة بعض الإسلاميين انصرفوا عن الدعوة والعمل التربوي لينغمسوا في العمل السياسي المباشر مما أثر سلبا على صورة الحركة الإسلامية بشكل عام خاصة أن العمل السياسي يدخل صاحبه في العديد من التناقضات وعدم الوفاء بالالتزامات التي يعد بها المحكومين، مما يؤثر سلبا كما قلت على صورة الحركات الإسلامية.