القراءة الأولية لمشروع قانون مالية 2014، تشير إلى أن هم توسيع موارد الموازنة وتقليص العجز المالي كان حاضرا بشكل كبير، إذ اتجه هذا المشروع إلى اعتماد ثلاث أنواع من الإجراءات: - إجراءات تقشفية، تهدف إلى التحكم في نفقات التسيير، خصوصا كتلة الأجور، والتحكم في مصاريف صندوق المقاصة، وعقلنة الاستثمار. - إجراءات توسيع الوعاء الضريبي، وذلك بالعمل على إدماج القطاع غير المهيكل، وتضريب الشركات الفلاحية الكبرى، والعمل على الحذف التدريجي للإعفاءات غير المجدية. - إجراءات للتحكم في عجز الميزان التجاري، وتتمثل في دعم الصادرات والتحكم في الواردات وتعبئة موارد العملة الصعبة. لكن، مع أهمية هذا التوجه الاستراتيجي الناظم لمشروع الميزانية، إلا أن هاجس الحفاظ على التوازنات المالية لم يغط على التوجهات الأخرى المرتبطة بتسريع الإصلاحات الكبرى المهيكلة وتحفيز النمو، ودعم الاستثمار والمقاولة، وتطوير آليات التشغيل، وتدعيم آليات التماسك الاجتماعي، إذ تضمن هذا المشروع التغطية المالية لتكاليف إصلاح منظومة العدالة، هذا فضلا عن كونه هيأ الأرضية لتفعيل إرساء الجهوية ووضع اللبنات الأولى لإصلاح النظام الجبائي، كما توافقت تقديرات وزارة المالية مع صندوق النقد الدولي على إمكان تحقيق نسبة نمو تفوق 4 في المائة، وهو ما سيكون له انعكاس مباشر على الاقتصاد الوطني. بيد أن الملاحظة الجديرة بالتسجيل، وبعيدا عن الدخول في التحليل المالي الرقمي، وهي التلازم في المقاربة التدبيرية للإصلاح بين ضرورات المحافظة على الاستقرار الاجتماعي ومتطلبات الإصلاح، إذ، باستثناء إصلاح منظومة العدالة الذي حظي بدعم ملكي وإصلاح صندوق التقاعد الذي أبرز مشروع المالية خطوطه الكبرى، بدا الطابع التدريجي هو الغالب في تعاطي مشروع قانون المالية مع الإصلاحات الهيكلية، إذ تم تبني خيار التدريج في الإصلاح الضريبي، بالارتكاز هذه السنة على عنصرين، يتعلق الأول بحذف الإعفاءات غير المجدية، وتضريب الشركات الكبرى في القطاع الفلاحي، مع الإصلاح التدريجي للضريبة على القيمة المضافة، كما تم الاحتفاظ بآلية المقايسة الجزئية مع الاستمرار في دعم المواد الأساسية، وتم تجديد التركيز على التوجه الاجتماعي في مشروع الميزانية وذلك من خلال تدعيم آليات التماسك الاجتماعي والنهوض بالعالم القروي والمناطق الجبلية، وتحسين الولوج للخدمات العمومية. الخلاصة السياسية التي يمكن أن نستنتجها من هذا المشروع، أن مشكلة الإصلاح في المغرب ليست بالدرجة الأولى تدبيرية، وإنما هي في العمق سياسية، بحكم أن معادلة الاستقرار السياسي والاجتماعي تبقى المحدد الأكبر لسقف الإصلاح الممكن تحقيقه في هذه المرحلة. معنى ذلك، أن ما يمكن لهذه الحكومة تحقيقه لا يقاس بحجم تطلعاتها ولا بقدرتها على إنتاج البدائل التدبيرية لإصلاح هذا القطاع أو ذاك، وإنما يقاس بالدرجة الأولى بإمكان تحمل معادلة الاستقرار السياسي والاجتماعي له وقدرة مكونات الشعب المغربي على تحمل كلفته. المستفاد من الملاحظة على الأقل للمدى القريب والمتوسط القادم، أن الجهد الذي يبذل في اتجاه بلورة الرؤى والمشاريع والبرامج ينبغي أن يوازيه جهد سياسي آخر، ينصرف اهتمامه بالدرجة الأولى لفهم عناصر المعادلة الاجتماعية والسياسية ودارسة قدرتها على تحمل الإصلاح وتحديد الجرعات المناسبة من غير السقوط في إفراغ الإصلاحات المهيكلة من مضمونها الحقيقي.