يواصل مجموعة من الفنانين والنقاد والسياسيين توجيه انتقاداتهم لما تقدم عليه قنوات القطب العمومي من دبلجة للمسلسلات الأجنبية وخاصة منها التركية في الآونة الأخيرة، وذلك لاعتبارات تهم استهداف الهوية والخصوصية المغربية من خلال اللغة السوقية والمبتذلة المستعملة، وأيضا بالنظر للتكلفة المادية الباهظة لكل حلقة من هذه المسلسلات الطويلة حيث تكلف الحلقة الواحدة ما بين 19و40 ألف درهم، فضلا عن انتقادات أخرى تهم اغتراب الدارجة المغربية ومن تسند لهم مهمة الدبلجة وتشابه الأعمال المدبلجة. عن التكلفة التي تنفقها القنوات المغربية على هذه الأعمال، أكدت مصادر من داخل القناة الأولى والثانية مسؤولة عن الإنتاج ل«التجديد» أن ثمن اقتناء الإنتاجات التركية يرتفع حسب شهرة العمل وشهرة الممثلين الذين يجسدون أدوار المسلسل، إذ تتراوح تكلفة الاقتناء بين 16 و40 ألف درهم للحلقة الواحدة، مما يعني أن تكلفة مسلسل واحد من 200 حلقة مثلا تتراوح ما بين أزيد من 3 ملالاين درهما و 8 ملايين رهما، كما يسجل عدد من النقاد ملاحظات سلبية يعدونها في ما يتم من إسناد مهمة أداء الحوار لأشخاص غير متمرسين بالتشخيص الدرامي، وعدم توافق التلفظ مع المعنى الذي يرمي إليه المخرج، وكذا تشابه مضامين الأعمال المدبلجة، حيث ترتكز في مجملها على المشاكل العاطفية، واغتراب الدارجة المغربية، بالنظر إلى الحرص على الترجمة الحرفية للحوار. فضلا عن عدم الاعتماد على كتاب حوار متمرسين لمراجعة الدبلجة. ضمن الانتقادات الفنية، قالت الفنانة سعاد صابر ل «التجديد» إن المواضيع المتداولة في المسلسلات المدبلجة بعيدة عن الهوية والثقافة المغربية، كما أنها مسلسلات بدون معالجة تذكر. ولذلك فإن ما نسمعه في الدبلجة من ألفاظ وحوارات مخجلة لا ترضي المغاربة، لاسيما وأن التلفزة تجمع أفراد الأسرة على المائدة. متسائلة «لماذا يتم فرضها على المغاربة؟» وأشارت إلى أن المشاهدين الذين تلتقيهم من جراء سخطهم يعاتبون الممثلين المغاربة وكأنهم مسؤولين عن تلك الأعمال. وأكدت صابر أن الخطر الدائم لهذه المسلسلات المدبلجة يكون على الأطفال الذين يتأثرون بما يسمعونه وبما يرونه. وهذه صدمة كبيرة لكل الآباء والمربون. وتابعت «إن هذه المسلسلات المدبلجة تتوجه إلى مواطن مغربي له خصوصياته الثقافية والروحية، ولذلك يجب اختيار لغة تراعي هذه الخصوصيات عوض لغة هجينة وسوقية». الموضوع تجاوز ما هو فني إلى ما هو رقابي حيث وجه مؤخرا أحد نواب فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب سؤالا لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، اعتبر فيه أن ما يخصص من رصيد مالي لدبلجة المسلسلات التركية هو هدر لأموال الشعب خاصة في الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يمر منها الاقتصاد الوطني. منتقدا في سؤاله للخلفي برمجة القنوات العمومية لعدد كبير من المسلسلات الأجنبية التي تتعارض مع تقاليد المغاربة وتستفز ذوق المشاهد. متتبعون كثر تساءلوا كذلك عن الفائدة من تقديم قصص لعلاقات غير شرعية، وهو المضمون الغالب في مختلف المسلسلات التي يتم تقديمها، «فلانة مزوجة بفلان وكتخونو مع فلان آخر..»، وتساءلوا كيف يمكن بناء جيل سوي اعتمادا على هذه المشاهد. وما يعمق الخطر أن هذه المسلسلات المدبلجة وحسب ما كشفت عنه مؤسسة «ماروك متري» بلغت ما يقارب ثلاث ساعات كمتوسط يومي. وتستقطب هذه الأعمال ما يقرب 7 ملايين مشاهد بنسبة أزيد من 68 في المائة من المغاربة بما فيهم الصغار. وفي السياق نفسه، سبق لعبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع الباحث بكلية الآداب العلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن صرح لأحد المواقع الإلكترونية بكون هذه المسلسلات التركية «تقدم لنا نقيض الواقع الذي نعيشه، كالأسرة الناجحة والجمال والسفر، التي يصورها لنا مخرجون خبراء»، مضيفا «أنها تجيب عن تصدعاتنا الاجتماعية حتّى صرنا نبحث عن اللجوء الاجتماعي والإعلامي نحو المسلسلات التركية التي تحررنا مما يشغلنا في الواقع». وبإلقاء نظرة عامة لأرباح تركيا من بيع مسلسلاتها فإن تركيا تجني أرباحا طائلة من بيع مسلسلاتها في مختلف بقاع العالم إذ صرح «فرات جولجين» رئيس مجلس إدارة ‘كالينوس هولدينغ' (مجموع الشركات التي تسهر على بيع المسلسلات والأفلام التركية للخارج) أن «قيمة صادرات المسلسلات التركية بلغت 60 مليون دولار» مضيفا أن أسعار مبيعات المسلسلات تتراوح ما بين 500 دولار و15 ألف دولار للحلقة الواحدة.