اخترنا في هذا الأسبوع إشراك قرائنا في الاطلاع على مقال نشرا خلال الأسبوع المنصرم بعنوان: "باكستان، الجبهة الأخرى" للصحفي الباكستاني المعروف أحمد رشيد، المتخصص في الشأن الأفغاني وفي قضايا جمهوريات آسيا الوسطى. وننشر المقال رغم أننا لا نتفق مع كل ما جاء فيه. يتحدث صاحب المقال عن التعاون المزدوج لحكومة إسلام أباد مع الأمريكيين من جهة، ومن جهة أخرى تقديمها، حسب صاحب المقال، مساعدات بشكل سري للطالبان الباشتون، الذين يصعدون عملياتهم في أفغانستان. وهو ما اعتبره لعبا على الحبلين. منذ 27 يناير الماضي وأربعمائة عسكري أمريكي وأفغاني تدعمهم القنبلات الثقيلة B - 1 والطائرات العمودية لا يزالون يترصدون تجريدة من المتمردين الإسلاميين، وهي التجريدة الأهم التي تم تحديد وجودها في جنوبأفغانستان منذ ما يقرب من سنة: ولقد قتل خلال هذه المطاردات ما لا يقل عن ثمانين شخصا لحد الآن. الأمر الذي يثير القلق أكثر هو كون هؤلاء الثوار قد تمكنوا من التجمع في باكستان بأسلحتهم الثقيلة وتجهيزات جد متطورة في مجال الاتصالات مكنتهم من إنشاء إذاعة سرية يبثون من خلالها دون أن يتعرضوا لأي إزعاج بيانات وخطب تدعو إلى الجهاد ضد القوات الأمريكية وضد حكومة الرئيس حميد كرزاي، ويتوفرون كذلك على ما يكفي من التجهيزات لإقامة معسكر أساسي ومستشفى من الخيام في جبال أفغانستان، على بعد أمتار من الحدود. لقد كان هدفهم بكل وضوح هو مناوشة الفرقة 28 من القوات الأمريكية المنقولة جوا، التي يوجد مركزها العام قرب قندهار على بعد 081 كلم إلى الغرب. وأكثر شمالا، في نازرستان بالمنطقة القبلية الباكستانية المحادية للحدود مع أفغانستان يتهيأ عدة مئات أخرى من "المتطرفين" في أفق من هجوم مع حلول فصل الربيع الذي ينتظر أن يتزامن مع هجوم أمريكي محتمل ضد العراق. وهم ينتمون إلى دول متعددة: فهناك بعض العرب من عناصر "القاعدة" الذين يندمجون وسط فلول "الطالبان" ووسط أتباع "المارق" قبل الدين حكمتيار، وينضم إليهم كذلك بعض العناصر من الحركة الإسلامية الأوزبكية وبعض المتطرفين الباكستانيين. وعلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية كانت معسكرات القوات الأمريكية الخاصة هدفا يوميا للصواريخ. وكذلك فإن عدة ألغام وقذائف قد انفجرت على مقربة من الإقامة العامة للقوات الأمريكية في "براغرام"، على مقربة من "كابول"، بل وداخل العاصمة نفسها فإن شبانا أفغانيين يرمون القنابل اليدوية على جنود وسيارات القوات الأمريكية (التي تضم في مجموعها 8000 رجل) وكذلك على جنود قوات المساعدة الدولية (48000 فرد). وبما أن هذه الهجومات تنطلق ويتم التهييء والتنسيق لها من داخل باكستان، فلابد من التساؤل: هل هذا البلد يحارب الإرهاب فعلا أم أنه يسانده خفية؟ صحيح أن الرئيس "برويز مشرف" قد سلم أزيد من أربعمائة من مقاتلي "القاعدة" إلى مصالح الاستخبارات الأمريكية، ومعروف أن أغلبية قادة هذه المنظمة المحتجزين حاليا في "كوانتانامو"، قد تم اعتقالهم من طرف الاستخبارات الباكستانية. وكذلك فإن حوالي ستين ألف من الجنود والملشيات الباكستانية منتشرة قرب الحدود مع أفغانستان. وهم بمساعدة اثني عشر مستشارا ينتمون للقوات الخاصة الأمريكية، يقومون بمنع كل تسلل نحو التراب الأفغاني. ولكن الدبلوماسيين الغربيين في كابول، والمسؤولين الأفغان، وعدد من المسؤولين الباكستانيين اللائكيين مقتنعون بأن إسلام أباد تلعب على الحبلين. ومجمل القول فإن الأمر يتعلق بانقلاب جديد في المواقف، بعد ذلك الذي تلى أحداث 11 شتنبر 2001 عندما سحب الرئيس "مشرف" دعمه لطالبان ليصطف إلى جانب الأمريكان. خلال حوار طويل أجريته معه في الشهر الماضي أسر لي الرئيس "حميد كرزاي" بأن سياسة باكستان تؤرقه وتمنعه من النوم فعلى الرغم من العلاقات الشخصية الممتازة التي تجمعه ببرويز مشرف (الرجلان يتصلان بالهاتف على الدوام). فإن كرزاي لم يستطع أن يفهم كيف يترك الرئيس الباكستاني "هؤلاء المتطرفين" "هؤلاء الصعاليك" الذين وجدوا في باكستان ملجأهم يعملون على تقويض أساس حكومته ويزرعون الفتنة والارتباك في المناطق الباشتونية. وهناك الكثير من الملاحظين الذي يلقون بالمسؤولية على عاتق الأحزاب الإسلامية، وكذلك على عاتق بعض عناصر الاستخبارات الباكستانية. وكيفما كان الحال، فإن الضباط الأمريكيين المستقرين في "باكرام" يقدرون أن 90% من الهجومات التي يتعرضون لها هي من مجموعات مستقرة في باكستان. وباختصار، فإن الاستراتيجية المعتمدة لدى إسلام أباد يبدو أنها تتمثل في مطاردة العناصر غير الأفغانية في تنظيم "القاعدة" المختفين في التراب الباكستاني، وهو شرط مواصلة التعاون معها من الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع تمكين الطالبان الباشتون وغيرهم من الأفغان من الاستقرار. ولكن إسلام أباد من جهتها تنفي ذلك بقوة، وتقسم بأغلظ الأيمان أنها تبقى حليفا أكيدا وموثوقا للولايات المتحدةالأمريكية في حربها ضد "الإرهاب". ومن جهتها فإن واشنطن تتجنب إثارة المشكل علانية، وذلك خوفا من التسبب في عدم استقرار حكومة برويز مشرف، ومن فتح جبهة أخرى في بلد مسلم يعتبر رأيه العام الأكثر عداء للأمريكان. وهو أمر سوف تكون له تداعيات سيئة جدا لو حصل عشية الهجوم على العراق... غير أن كل هذا لم يمنع أن: الجنرال "توني فرانكس" القائد الأعلى للقوات الأمريكية في منطقة الخليج قد حل بإسلام أباد خلال يومي 26و 27 يناير الماضي. وقد تباحث مع الرئيس مشرف وكبار المسؤولين في الجيش الباكستاني. ولقد كانت تتواجد في نفس الفترة في العاصمة الباكستانية بعثة بريطانية يقودها "توم فيليبس" الممثل الخاص للندن في أفغانستان، ويؤكد الدبلوماسيون الأمريكيون أن البعثتين قد أثارتا مسألة وجود طالبان في باكستان. والحقيقة أن إسلام أباد تتخوف أكثر من أي شيء آخر من تزايد تأثير روسيا والهند في أفغانستان. فهاتان الدولتان تزودان بالسلاح وبالمال العديد من الفصائل المتقاتلة في أفغانستان من غير الباشتون وتدعم قادة هذه الفصائل، وذلك مع استمرارهما في دعم الجنرال التادجيكي "محمد فهيم"، وزير الدفاع في حكومة كرزاي الذي يرأس أهم مفصيل مسلم في البلاد، والذي يعتبره الأمريكان حليفهم الرئيسي. فروسيا قد وعدت فهيم بتزويده بما يساوي مائة مليون دولار من الأسلحة: وهي مبادرة تتناقض مع المشروع الأمريكي الهادف إلى تشييد جيش متعدد الأعراق يدين بالولاء والوفاء للحكومة المركزية في كابول. ولقد حاولت واشنطن بكل جدية التدخل لدى موسكو من أجل إيقاف هذه الإمدادات الروسية من السلاح، ولكن دون جدوى. وهكذا فتدخلات جيران أفغانستان في الشؤون الداخلية لهذا البلد تبدو مرة أخرى أمرا جليا. ولكن في الوقت الذي تدعم فيه الهند وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى هذا الزعيم أو ذاك من زعماء الفصائل المسلحة، فإن باكستان تدعم "المتطرفين". فالأولى بالنسبة لإسلام أباد هو الرغبة في الحفاظ على أقصى ما يمكن من التأثير في المناطق الباشتونية في جنوب وشرق أفغانستان. خصوصا وأن هناك عدة ملايين أخرى من الباشتون يعيشون داخل التراب الباكستاني، ولكن القادة الباكستانيين يبدو أنهم لم يفهموا أن دورهم يجب أن يكون هو الدفع بالتطرف الباشتوني نحو مزيد من الاعتدال، وذلك لمساعدة الرئيس كرزاي في جهوده لتزويد أفغانستان رسميا وعمليا بحكومة متعددة الأعراق. ولكن عوض ذلك فإن باكستان، مع أنها تعد بدعمه في ذلك، فإنها تعمل على تقويض سلطاته وتمنعه من القضاء على "الإرهاب". والصمت الأمريكي لا يزيد إلا في حث الأحزاب الإسلامية الباكستانية التي تحكم حاليا المنطقة المتاخمة للحدود الشمالية الغربية، في تقوية مساعداتهم للمتطرفين من كل مشرب، ومن كل فصيل. ولقد ساعدهم الجيش الحكومي المركزي بتزوير الانتخابات العامة لشهر أكتوبر، وبإطلاق سراح قادة المجموعات الإرهابية من السجون، وبتشجيعهم على تنظيم مظاهرات لمساندة العراق. قد يكون الأمر مفهوما"، فكل هذا يدخل في إطار لعبة يحاول من خلالها الرئيس مشرف أن يفهم الأمريكان بأنه، في وضعه مهددا بهذا الشكل من طرف الأصوليين، فإنه يحتاج إلى دعم أكبر من طرفهم، وإلى مزيد من المساعدات. والحقيقة أنه ومنذ سنوات الثمانينات فجميع الأنظمة المتعاقبة على حكم باكستان قد تعاطت لهذه اللعبة مع الأمريكان، ولقد كانت دائما ناجحة. أحمد رشيد "داودجونس" الأمريكية و"لانتيلجان" الفرنسية