قبل أن يتوجه بابا الفاتيكان في رحلة حج دينية نحو لورد بفرنسا حيث حل بها يومي السبت والأحد 14 و15 غشت الجاري واستقبل من لدن الرئيس الفرنسي شيراك، وجه الكاردينال جوزيف راتزينغير في بداية شهر غشت 2004 وثيقة إلى أربعة آلاف (4000) راهب بالعالم كله، وثيقة أطلقت العنان لردود فعل رافضة غاضبة من لدن التيار التقدمي لكنيسة أمريكا الشمالية والكنيسة الألمانية، ومن المتوقع أن تثير الرفض والغضب ذاتيهما عند المنظمات النسائية اللائكية. التيار التقدمي يناضل للحصول على مكانة متميزة للنساء داخل الكنيسة، ومن أجل تجديد النظرة إلى القضايا الجنسية، وإبعاد الأسماء والصفات الذكورية المنسوبة للرب، ووضع بدائل محايدة لها مثل هو أو هي. وتضاف هذه الوثيقة إلى الملف الروماني الضخم حول الحياة الجنسية، في وقت عصيب جدا بالنسبة للكاثوليك بخصوص تطور العلاقات بين الرجال والنساء، وأشكال جديدة من الإنجاب، ومطالب الزواج وتبني الأطفال لكل من قوم لوط الحداثيين (الشواذ) والسحاقيات. وهذا الشلال من التطورات المتلاحقة في مجال الأخلاق، يتراكم فوق المواقف المتناقضة لكل من الكنيسة والنسوانيين حول منع الحمل (منذ القرار البابوي المحرم لحبوب منع الحمل عام 1968)، وحول الطلاق والزواج الحر. ولهذا السبب، ينعت البابا الحالي بأنه لا يحب النساء، وأن الخطاب الكنسي لم يشهد تطورا يذكر. فمنذ وثيقة عام 1988 حول كرامة المرأة إلى رسالته إلى النساء عام ,1995 وعلى طول صفحات كثيرة استنكر جان بول الثاني الصور القديمة لقهر واتهام النساء، ووصف آلامهن تم استغلالهن وحدهن، وقطع الخيط نهائيا مع كل الصور الساخرة المستوحاة من قراءة سطحية للإنجيل. وتناهض الوثيقة الأخيرة لراتزينغر -حارس المعبد كما يوصف في الصحافة الغربية- أشكال الميز المهني التي تعاني منها المرأة في العمل، وتعرب عن وقوفها إلى جانب ربات البيوت المسحوقات المتخلى عنهن، بل تذهب إلى أن الأمومة ليست المجال الوحيد الذي تعرف به المرأة وليست قدرها البيولوجي النهائي، بل نريد اقتساما كاملا للسلطة والمواقع بما فيها المؤسسات الدينية كالكنيسة. ويدافع الفاتيكان عن المساواة بين الرجال والنساء، لكنه يناهض الحركات النسائية المتطرفة التي يعتبرها تعيش انحرافا مزدوجا، فمن جهة، تريد أن تجعل من المرأة خصما مساويا للرجل مما يوصل إلى التباس حول هوية ودور كل منهما، ومن جهة أخرى تتجاهل الفرق الجنسي لصالح الفرق الثقافي المسمى نوعا (جندر). ويصفي الكاردينال راتزينغر الحساب مع التوجهات التقدمية والانقلابات الأخلاقية معتبرا أنكل محاولة تزعم أنها صراع بين الجنسين ليست سوى سراب وفخ. إنها لن تؤدي سوى إلى أوضاع من التمييز والتنافس بين الرجال والنساء، وأن على المساواة بين الجنسين ألا تؤدي إلى التجاهل، ولا إلى وضع الشذوذ الجنسي في وضع المساواة مع الفطرة الجنسية. وقد قوبلت هذه الوثيقة بالرفض والغضب من لدن الأوساط النسوانية الأمريكية والألمانية، وإذا كانت القضايا المرتبطة بحقوق النساء في العمل وتجنب أشكال الميز بينهن وبين الرجال على أساس الجنس ليست محل نزاع، فإن ما أثار حفيظة الرافضين هو قضية النوع، إذ وصفت مارغوكسيمان الراهبة في الكنيسة الإنجليلية اللوثرية بهانوفر، في حوار لها يوم الثالث من الشهر الجاري في الصحافة الألمانية، موقف راتزينغر بالحماقة البسيطة. وأنكر ممثلو الكنيسة الكاثوليكية بالولايات المتحدة على الكنيسة الرومانية مواقفها التي لا تذهب إلى حد التحرير الجنسي للمرأة ولا إلى الاعتراف بالظلم المسلط على المرأة قرونا عديدة من لدن الكنيسة الرومانية ذاتها، وإغلاقها الباب أمام تحمل النساء مسؤوليات ومناصب دينية داخلها. وفي الاتجاه ذاته سار رهبان وراهبات الكيبك الذين أخذوا مسافة بينهم وبين وثيقة الكنيسة الرومانية، كما أن فيدرالية الكيبك دعت القساوسة إلى اتخاذ موقف أكثر إيجابية من النسوانية، وقالت رئيسة الفيدرالية ميشيل أسلان إن الوثيقة تضاعف من الصور النموذجية للمرأة، هذا أمر مؤسف. نحن لا نريد أن نكون مجرد أدوات تحت سلطة الرجال.. لا نريد ذلك. حسن صابر