بعد المجزرة الرهيبة التي نفذها الانقلابيون في مصر أول أمس، والتي خلفت حوالي 3000 شهيدا وأزيد من 10 آلاف جريحا في القاهرة وحدها، فضلا عن عشرات الشهداء الذين سقطوا في باقي المحافظات الأخرى التي عاشت غليانا وهيجانا كبيرين بعد أن أذيع خبر فض اعتصامي النهضة ورابعة؛ توالت المواقف الدولية بخصوص ما جرى في اليوم الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث، والأكثر سقوطا للضحايا منذ الحرب العالمية الثانية. وحسب مراقبين، فإنه يمكن تقسيم المواقف الدولية بين دول منددة بما جرى من مجازر وأخرى متذبذبة في موقفها ودول داعمة ومرحبة بما?ارتكبه الانقلابيون في حق المعتصمين السلميين. وفي هذا الصدد اعتبر خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الدول التي أيدت الانقلاب ودعمته منذ البداية مثل السعودية والإمارات لا يمكن انتظار منها غير موقفهما المبدئي بخلاف باقي دول العالم التي إما عبرت عن انزعاجها أو نددت بكل قوة بالمجازر. أهمية الموقف الدولي.. يختلف الخبراء في الحالة المصرية في تقدير أهمية الموقف الدولي وأثره في تجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب العسكر على الشرعية قبل أزيد من أربعين يوما؛ ففي الوقت الذي يؤكد شيات أن المواقف الدولية تبقى محددا أساسيا في مصير الأزمة بعد أن تبين أن قادة الانقلاب يسلكون سوى طريق العنف لفرض الأمر الواقع على الشعب، يذهب ادريس لكريني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومؤلف كتاب "إدارة الأزمات في عالم متحول"، إلى أن المواقف الحاسمة في تجاوز ما تعيشه مصر حاليا ليس المواقف الخارجية إنما الداخلية، ويرجع ذلك?إلى حالة الاستقطاب الحاد الذي أبناء شعبها.. وقال المتحدث، إنه يفترض في الدول التي تدين العنف المحدود في بعض المناطق والذي لا يرقى لما يمارس في حق المصريين إلى أن تبدي موقفها بشكل حاسم وتدين العنف لأنه لا ينبغي أن تحكم الخلفيات السياسة في اتخاذ المواقف ولا يجب أن تدخل الاعتبارات الإيديولوجية في مسألة حقوق الإنسان. وأضاف أن تباين المواقف الدولية يعكس التباين الحاصل في المواقف السياسية الداخلية. تقييم المواقف خالد شيات أكد أن قادة الانقلاب نفذوا مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة لأن المنتظم الدولي لم يمارس ضغطا بما يلزم لدفع الانقلابيين إلى التراجع عن مثل هذا الفعل، وقال في تصريح ل"التجديد"، إنه لو كانت الدول المؤثرة تؤمن بالحل السياسي في مصر لكان بإمكانها أن تضغط على سلطات الانقلاب، لكنه أوضح أن مواقف أوروبا وأمريكا وإن كانت متذبذبة فإنها لا تعبر عن ثقتها في السلطة الجديدة وتخشى من عشرية من الفوضى على غرار ما حصل في الجزائر. وفسر المتحدث تذبذب مواقف هذه الدول بكونها تفسح المجال للمراجعة في حالة استمر الحشد الشعبي? مشيرا إلى أن معظم الدول الغربية ستحسم موقفها بعد أن يتبين لها إن كان الانقلابيون يدفعون بالبلاد إلى الاستقرار أو اللاستقرار، بخلاف دول الخليج التي تسعى فقط إلى إجهاض الثورة كي لا تمتد إلى أراضيها. من جهته، أشار لكريني إلى أن المواقف الدولية في مجملها لا ترقى إلى خطورة الحدث، خاصة من جانب أمريكا التي حظيت بتعاطف دولي وشعبي كبيرين في أحداث 11 لأن الضحية كان هو الإنسان بغض النظر عن سلوكها اتجاه العالم، وأكد أن ما يجري من تحولات في العالم العربي كشف الوجه الحقيقي لكثير من الدول التي كانت دائما تردد أنها حريصة على الديمقراطية، لكنها تظل مكتوفة الأيدي أمام المجازر المرتبكة في حق الشعب السوري وتلك التي ترتكب باستمرار ضد أهل غزة. وفي سؤال عن تفسير قيام باريس وبرلين باستدعاء السفير المصري لديهما للاحتجاج، اعتبر شيات أن ذلك لا يشكل ضغطا، وقال "هناك طرق أخرى لممارسة الضغط القوي وهناك آليات قانونية مثل اللجوء إلى مجلس الأمن في حالة كانت لهذه الدول رغبة في تضييق الخناق على الانقلابيين". وتوقع أن المتحدث أن ينحو الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية في المستقبل إلى مراجعة مواقفها في حالة استمرت احتجاجات أنصار الشرعية بنفس الزخم بعد فض الاعتصامات خصوصا أن الكثير من الوفود الأجنبية التي حلت بالقاهرة عبرت عن أن ما حصل انقلاب على الشرعية. مواقف تناقض الديمقراطية ! في سياق المواقف الدولية مما يجري في مصر منذ الانقلاب العسكري يثار سؤال في غاية الأهمية، وهو لماذا مواقف الأوروبيين والأمريكيين تتناقض مع الديمقراطية التي يدعون إليها كلما تعلق الأمر بدولة عربية؟ فمن وجهة نظر شيات، فإن المواقف الغربية فكت الارتباط بالمبادئ الأساسية التي تقوم على الحرية والتناوب لأنها تفكر في تحصين مصالحها في المدى القريب رغم أن التداول السلمي للسلطة يعود بالنفع على مصالحها على المدى البعيد، واعتبر أن وقوف الدول الغربية ضد المد الديمقراطي سيكلفها سياسيا على المدى البعيد، بينما أكد لكريني أن وأد الثورة بهذه الطريقة سيكون له عواقب عكسية على الدول الغربية سواء التي تقف متفرجة أو بجانب البديل الديكتاتوري. في سياق متصل، أشاد شيات المتخصص في العلاقات الدولية أن موقف تركيا واعتبره أخلاقيا يتماشى مع الشعارات التي يرفعها الحاكمون الجدد، وعن مدى تأثير على عواصم عالمية، أكد المتحدث أنه موقف شجاع يعكس استقلالية تركيا في صناعة قرارها الخارجي أكثر منه تأثير.