عائشة بنت محمد الجيار، ابنة محتسب سبتة السليبة، ترعرعت في سبتة على مبادئ العلوم الدينية واللغوية حتى نجبت فيها، فشارأب طموحها للنهل من علوم الطب مستفيدة من معارف صهرها الطبيب الماهر محمد الشريشي المعروف عند العامة بحكيم الرعاء، فنبغت في الصناعة الطبية وكانت لها معرفة بالأدوية والعقاقير، فذاع صيتها في باقي ربوع المغرب والأندلس، حتى أن أمراء بني مرين كانوا يكرمونها بالهدايا والتحف لأجل ما عرف عنها من نبوغ ودراية في الطب والصيدلة، كما عرفت بأعمال الخير والإحسان، حيث اشتهرت في مدينتها بوقفها لعقاراتها وممتلكاتها على أعمال البر، وكانت وفاتها بسبتة أواخر القرن 14 م وعمرها آنذاك 70 سنة. خلال حكم المرينيين للمغرب، ازدهرت العلوم بفضل الدعم الذي كانت تقدم السلطة الحاكمة وخاصة أبا الحسن وأبا عنان اللذان كانا يتنافسان في العمران ودعم العلوم وأهلها، فانتشرت في عهديهما البيمارستانات بكل ربوع مملكتهما، وازدهرت العلوم الطبية وانخرط فيها الرجال كما النساء. عائشة بنت الجيار كانت واحدة من هؤلاء الذين دخلوا عالم الطب وأبانوا عن تفوق مبهر، كان معلمها هو صهرها الشيخ محمد الشريشي، تعلمت منه علم الطب وأسرار الأدوية والعقاقير والمياه وعلاماتها. وبسبب علمها الكبير وسمو أخلاقها ائتمنها سلاطين بني مرين على صحة حريمهم، لقد كانت بلغة اليوم الطبيبة الخاصة لنساء السلطان، وزاد من مكانتها ما كتبته كتب التاريخ عن أخلاقها الرفيعة، فقد كانت» امرأة عاقلة، عالية الهمة، نزيهة النفس، معروفة القدر لمكان بيتها، كان لها تقدم بالطبع وجزالة في الكلام». لقد ذاع صيتها أرجاء الدولة المغربية ولم يبق محصورا في مدينة سبتة فقط، وانتشر اسمها في قصور الأمراء، وكانوا لا يتوانون في تقديم الهدايا لها والتحف نظير ما تسديه من خدمات ومقابل حرفيتها البالغة. وإلى جانب علمها وأخلاقها كانت عائشة بنت ابن الجيار معروفة بنشاطها الاجتماعي، فهي لم تكن معزولة عن الجماهير والمجتمع بل كانت تخدم أبناء بلدها بعلمها في الطب وبمالها الذي كسبته. كان مسار عائشة بنت ابن الجيار الدنيوي حافلا بالعطاء، لقد عاشت حتى بلغ عمرها السبعين وختمت هذا المسار بصدقة جارية، إذ «عهدت بتوقيف رباعها في وجوه البر وسبيل الخيرات».