مساهمة المرأة المغربية في هذا العصر لقد ساهمت المرأة المغربية في بناء صرح النهضة العلمية في هذا العصر، كما فعلت في غيره من العصور، تلك المساهمة الفعالة التي وإن أُغفل الكلام عليها في كثير من المصادر التاريخية؛ فإنها تأبى إلا أن تُعلن عن نفسها من وراء.. ولنعطِ على ذلك مثالا في حقل العلوم الدينية السيدة أُمَّ هانئ بنت محمد العبدوسي. قال الشيخ زروق في كناشته: كانت فقيهةً ذات علم وصلاح، طعنت في السن إلى قرب المائة، وتوفيت سنة 820. زاد ابن غازي وهي آخر فقهائهم. ومثلها أختها فاطمة، وكذلك السيدة أُمُّ البنين الفقيهة الصالحة جدَّة الشيخ زروق، والسيدةُ رحمة بنت الجنان، ووالدة الشيخ ابن غازي، والسيدتان عائشة وأمة الله بنتا الحافظ ابن رشيد الذي استجاز لهما المشائخ، وستُّ العرب بنت عبد المهيمن الحضرمي التي أجاز لها ابن رُشيد. وفي الميدان الأدبي نذكر الأدبية أُمَّ الحسن بنت أحمد الطنجالي نزيلة لوشة، وقد ترجمها لسان الدين ابن الخطيب في كتاب التاج المُحلَّى فقال: ثالثة حمدونة وولادة، وفاضلةٌ جمعت الأدب والمجادة، وتقلَّدت المحاسن قبل القلادة، وأولدت أبكار الأفكار قبل سن الولادة. نشأة في بيت أبيها، لا يذخر عنها تدريباً، ولا تنبيهاً، حتى نبض إدراكها، وظهر في المعارف حراكها، ودرَّسها الطب ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأغراضه.. ولما قدم أبوها من المغرب، توجه بعض الصدور إلى اختبارها، ومطالعة أخبارها، فاستنبل أغراضها، واستحسنها، واستطرف لسانها، وسألها عن الخط، وهو أكسد بضاعة جلبت، وأشحَّ دِرَّة حلبت فأنشدته من نظمها شعرا في الموضوع، وكذلك الأدبية صفيَّة العزفية من بيت العزفيين، وُلاة سبتة المعروفين، وقد مدحتما الأستاذة الأدبية الشاعرة السيدة سارة بنت أحمد الحلبي بقصيدة مطلعها: إذا ما ذكرتُ الشرقَ طِرتُ له شوقا. تقول فيه: ولكن بِمَنْ أَضْحَتْ وحِيدَةَ عَصرِها نَسِيْتُ من الأَشواق ما جَلَّ أو دَقَّا ومَن مِثْلُ ذَاتِ العلم والحِلم والنُّهي لقد سارت سَيْرَ الشمس مُعْجِزُها الأَرْقَى لَقَد سار سيرَ الشمس فَخْرُ صفِيَّةَ ونَوَّر إكبارا ها لها الغربَ والشَّرْقَا وصُبحُ جارية أحمد بن شُعيب الجزنائي الفيلسوف الكاتب الشاعر، كانت تنظمُ الشعر، ولمَّا ماتت حزن عليها أشدَّ الحزن، ورثاها بمراثٍ مؤتِّرة تذكر في المنتخبات. أما في الميدان العلمي فسنُترجم للطبيبة عائشة بنت الجيَّار مكتفين بها، ونحن على يقين من أنَّ هناك كثيراتٍ من السيدات الفاضلات اللائي كُنَّ يشاركن في غير ما ذُكر من ضروب المعارف، ولكن إخبارهنَّ لم تُحفظ بسب الإهمال الذي مُني به تاريخنا الأدبي سواءً بالنسبة للنساء والرجال، والله ولي التوفيق.. النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون، العدد 1-3 دار الثقافة، ج: الأول، ص: 203-204