هي زينب بنت إسحاق الهواري، أبوها تاجر من أصل قيرواني استقر بأغمات، حيث ولدت له بهذه المدينة في أسرة ميسورة حوالي سنة 1038 م، مترعرعة في وسط يعج بالحياة العلمية والثقافية، وسرعان ما برزت نجابتها وحسن فرستها إلى جانب جمالها الذي ذاع في الأرجاء، حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، وقد أهلها ذلك لتكون مطلوبة من أعيان المنطقة، فاقترن بها شيخ أوريكة ثم زعيم بني يفرن، وبعده أبو بكر بن عمر اللمتوني قائد المرابطين قبل أن تستقر في بيت ابن عمه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، حتى لقبت بزوجة الملوك. جنبت زينب دولة المرابطين خطر الشقاق والانهيار في بدايتها عندما أشارت على زوجها حلا سلميا لإنهاء نزاعه مع ابن عمه أبي بكر، فبالإضافة إلى جمالها الفائق، اشتهرت زينب بفطنتها وذكائها حتى أنها أصبحت اليد اليمنى والمستشارة الأولى للأمير يوسف فهي القائمة بملكه، بالجمال والرياسة والذهاء، وهي التي اشترى بها سعادته واستقامت بها أموره كما قال ابن الخطيب، وقد بنى الأمير يوسف حاضرة مراكش إكراما لها. قال ابن خلدون: «كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة». ونقل عن ابن الأثير في الكامل: «كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين». وأورد بعض أخبارها في الاستقصا، الطبعة الثانية 2 : 14، 19، 20، 21.وورد في كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري (طبعة مطبعة دار الكتاب - الدارالبيضاء - 1954 - تحقيق وتعليق ولدي المؤلف-الجزء الثاني-ص 20):وكان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت اسحق النفزاوية وكانت بارعة الجمال والحسن وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولى أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح امرها، ويقيم رسم الجهاد بها. ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها : يازينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك، فاذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف ابن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب. فطلقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا، حتى أتى سجلماسة فدخلها وأقام بها أياما حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء. وكان يوسف بن تاشفين قد استفحل أمره أيضا بالمغرب، واستولى على أكثر بلاده. فلما سمع الأمير أبو بكر بن عمر بما آل إليه أمر يوسف ابن تاشفين وما منحه الله من النصر أقبل من الصحراء ليختبر أمره. ويقال أنه كان مضمرا لعزله وتولية غيره. فأحس يوسف بذلك فشاور زوجته زينب بنت اسحق - وكان قد تزوجها بعد أبي بكر بن عمر- فقالت له: إن ابن عمك متورع عن سفك الدماء، فإذا لقيته فاترك ما كان يعهده منك من الأدب والتواضع معه وأظهر أثر الترفع والاستبداد حتى كأنك مساو له، ثم لاطفه مع ذلك بالهدايا من الأموال والخلع وسائر طرف المغرب واستكثر من ذلك، فإنه بأرض صحراء وكل ماجلب إليه من هنا فهو مستطرف لديه