بين الكلام والصمت... أسئلة كثيرة يطرحها واقع خطباء المساجد في المغرب، فعندما تصدح أصواتهم بقول ما يرون «حقا» وما يرونه «أمر بالمعروف ونهي عن المنكر» و «تفاعل مع قضايا الناس» يصطدمون بإشهار الجهة الوصية بطاقة «مخالفة دليل الإمام والخطيب» فيتم إنزالهم من فوق المنبر ، وعندما يهتمون في خطبهم بقضايا عامة و»متفق عليها» ويتجنبون الدخول فيما فيه سجال ونقاش ويتورعون عن الخوض فيما يراه البعض «فسادا ومنكرا وعبثا بالدين والدنيا يتهمهم بعض رواد بيوت الله بأنهم يعيشون في عالم آخر وبعيدين عن قضايا المجتمع والناس وينبري الكثيرون للحديث عن تراجع دور العلماء والخطباء في تأطير المجتمع. بالمنطق الأول وجد العديد من خطباء المساجد أنفسهم خارج الدائرة، عزلوا ونزلوا من على منابرهم ومنعوا من مخاطبة الناس ، هل كانوا مخطئين فيما قالوا؟ هل خالفوا ثوابت الدين؟ هل نشروا الفتنة بين الناس؟ هل استعملوا المنبر في أغراض شخصية؟ أم أنهم لم يكونوا يعبرون سوى عن قناعاتهم الدينية وكانوا يؤدون واجبهم وما يمليه عليهم موقعهم. «مخالفة دليل الإمام والخطيب» تهمة ثقيلة غامضة تزين بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كل قرارات العزل التي صدرت في حق الخطباء في السنوات الأخيرة، لم توضح هذه القرارات طبيعة المخالفة ولم تشر إليها لكن ظروف العزل وحيثياته الشفوية تحكي الحقيقة بلا مواربة. المخالفة تعني ضمنيا « التعرض لمواضيع لا إجماع وطني عليها وتجاوز حدود دورهم في البيان والإرشاد» لكن هل حدود هذا البيان تؤطره وزارة ترعى شؤون الناس الدينية أم يحددها الدور التاريخي للخطيب. عندما تناول دليل الإمام والخطيب والواعظ الذي أصدرته وزارة الأوقاف في سنة 2006 «خطبة الجمعة»، لفت إلى أنها «عِبَادة وصناعة بحاجة إلى ضوابط موضوعية وأخرى منهجية» وحثت فيه الخطيب على اعتماد أساليب التقريب والتحبيب، وتجنيب المنبر المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية وكذا تجنب الخطيب إعلان الفتوى من فوق المنابر، واجتهاده في مراعاة المستويات الثقافية والتخصصات المختلفة لمن يستمعون خطبته، واعتماد الإيجابية في الطرح بدل العدمية، وإخلاص القصد لله. ومن الضوابط الصناعية اعتماد الاختصار والتركيز في سقف زمني بين عشرين وثلاثين دقيقة بين الخطبة والصلاة، واعتماد وحدة الموضوع والفكرة وحسن الإلقاء الخطابي والحرص على جمالية الهندام بما يناسب عرف المغاربة في اللباس كالتزام الجلباب والسلهام. وإلى جانب هذه الضوابط اهتم الدليل بالتفصيل فيما يعتبر تشويشا في المساجد مثل: الدعوة إلى ما يخالف العقيدة الأشعرية أو المذهب المالكي أو مخالفة ما جرى عليه العمل في المغرب؛ وتناول موضوعات في الخطب والمواعظ قد يثير الخوض فيها الفتنة بين الناس، أو يخل بالأمن العام، أو يحرض على الشغب والخروج عن الجماعة. معتبرا المتصف بصفات التشويش المخالف لثوابت الأمة «لا يكون إماما، ولا خطيبا، ولا واعظا، ولا قيما دينيا، بأي صفة من الصفات «. دليل الإمام والخطيب والواعظ الذي تقول جمعية أسرة المساجد إنه من الضروري مراجعته لأنه أداة تُقصي به الوزارة من تشاء وتعزل من تشاء وبمثابة عصا يضرب بها كل إمام «تجرّأ» على الانتقاد، يقول وزير الأوقاف إنه «عمل تحيين يقوّي الأئمة والخطباء والوعاظ، ويحمي المساجد من التشويش الذي ينافي الطمأنينة التي يتطلبها عامة الناس».