المتأمل في دلالات الدعوة إلى الله تعالى غايات وأهدافا يقف بجلاء على طبيعة ما جاء به الأنبياء والمرسلون. فالرحمة التي بعثوا بها وكلفوا بتبليغها والدعوة إليها، لا تقبل إلا أن تنبعث من قلب الإنسان المشبع باليقين، المحلى بحب الله ورسوله وحب محابِّهِما... فلذالم يكن من سبيل البتة لتحقيق هذا الانبعاث الأصيل وهذا التحول القلبي العميق إلا الدعوة إلى الله تعالى المؤسسة على البينات مضمونا، وفي هذا قال تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات...»22، وعلى الدلالة بلطف وبصيرة أسلوبا، وهو المسمى بالهداية23 في نصوص القرآن والسنة. لقد اتضح أكثر من أي وقت مضى أن ما يصطلح عليه بالتخصصات رغم أهميتها وضرورتها في عملنا المعاصر، لا ترقى وحدها إلى تحقيق الإصلاح المنشود وتجاوز الانحراف والفساد الموجود.... والسبب الرئيس الكامن خلف ذلك هو طبيعة كل تخصص من هذه التخصصات والحدود التي رسمتها الحياة المعاصرة لكل منها.... وعليه كانت الدعوة إلى الله كما يرضى الله، أساس الإصلاح المنشود، الإصلاح المؤسس على صلاح القلوب، المنبعث من أعماق النفس البشرية، لا التحول المستند على تغيير الأشكال والمظاهر والقوانين والإجراءات فحسب. وذلكم الأثر الجوهري للدعوة هو البيئة المناسبة للتأسيس للخير واحتضانه وتنميته ودفع كل ما يهدده... مما يخدم بحق الانتقال الراشد اللطيف بأمتنا من الأمة الإسلامية إلى الأمة المسلمة... وأبرك به من تحول وأنعم به من ارتقاء... من أمة إسلامية تنتسب إلى الإسلام، إلى أمة تعيش الإسلام وتدين بالإسلام وتستقيم على الإسلام... وذلكم، ورب الكعبة، طموح الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. قال تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»24. هذه الآية الكريمة لتمثل بحق دستورا منهجيا يحدد الهدف بوضوح وعناية كالشمس في ضحاها، كما يبين النهج بجلاء كالقمر إذا تلاها... فالغاية هي الفرد المسلم لله المنقاد لأمر الله تعالى ثم الأمة المسلمة الرحمة للعالمين... والسبيل هي الجهود الدعوية الراشدة التي تتخذ من بناء المؤسسات وتشييد البيوت الدعوية استراتيجيتها في الدعوة إلى الله والتمكين للخير.