في قلب الصراع على التحكم في المنطقة بين القوى العالمية الكبرى، فإن النزاع في سوريا يزعزع كل المنطقة. بل إن استمرار وجود بعض الدول؛ مثل لبنان قد يكون مهددا. تجتاز منطقة الشرق الأوسط مرحلة استثنائية وغير مسبوقة من العنف واللاستقرار. والملاحظون المستوعبون للأمور بدقة يعرفون هذا جيدا: إن إعادة بناء كبيرة للعلاقات بين قوى المنطقة هي بصدد الحدوث الآن؛ و إذا سُمح له بالاستمرار؛ فإن هذا المسلسل قد ينتهي إلى إعادة ترسيم الحدود التي رسمتها القوى الغربية منذ ما يقارب القرن من زمن، بعد هزم الإمبراطورية العثمانية. إن الوضع المطبوع بتشابك من الصراعات من أجل النفوذ هو وضع في غاية التعقيد. وهكذا فعملية المصالحة بين (إسرائيل) وتركيا التي قادها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» خلال زيارته للقدس في الشهر الأخير سوف تكون لها تداعيات مهمة على المنطقة.فثلاثة سنوات من الصدام عرفت توقفا مفاجئا؛ بعد أن ضغط «باراك أوباما» قدم منيامين نتانياهو اعتذاره الرسمي عن الهجوم القاتل على السفينة مافي مرمرة التي كانت متوجهة لكسر الحصار عن قطاع غزة عام 2010. هذه المصالحة كان لها كنتيجة مباشرة تحالفا ثلاثيا أمريكيا- تركيا- (إسرائيليا)، تم تشكيله، توحده الرغبة المشتركة في القضاء على نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. ولقد كان وزير خارجية الولاياتالمتحدة الجديد «حون كيري» قد صرع قبيل زيارة رئيسه «أوباما» تعليقا على إصرار بشار الأسد على الاستمرار في السلطة بقوله: «هدفي هو أن أجعله يغير حساباته». في حالة دفاع الإطاحة بالرئيس السوري ربما تكون إلا أول أهداف هذا التحالف الجديد. أما غايته النهائية فقد تكون تدمير محور إيران- سوريا-حزب الله؛ الذي يلجم ويعرقل منذ ثلاثين سنة الطموحات الإقليمية للولايات المتحدةالأمريكية و(إسرائيل) في المنطقة. هذه الجبهة الثلاثية توجد اليوم في حالة خطر؛ بما أن كل واحد من عناصره يواجه حاليا صعوبات جمة وكبرى. فإيران التي تخضع منذ مدة لحصار أمريكي غاية في القسوة تعيش كذلك تحت تهديد عدوان (إسرائيلي)، وسوريا تصارع أهوال حرب أهلية، وحزب الله الذي وجد نفسه فجأة محروما من حليفيه هاذين وجد نفسه كذلك في حالة دفاع حتى في داخل ملاذه الآمن وعرينه اللبناني نفسه. وعلى هذا فالتحالف الأمريكي- التركي- ال(إسرائيلي) يمكنه أن يحرز نجاحا هائلا. غير أن الأمور ليست بهذه البساطة× فأمامه ينتصب محور آخر يتشكل من روسياوإيران وسوريا، وهو محور مصمم على أن يمنع مهما كان انهيار نظام الأسد وصعود نظام جديد تهيمن عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشرق الأوسط. وكذلك فإن الشركاء الثلاثة (أمريكا وتركيا و(إسرائيل) ليسوا متوافقين تماما حول نفس الأهداف. فلكل منهم نواياه وأهدافه. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تبغض . تعاطي إيران معها باستقلالية وندية؛ بل وتحدٍّ وتريد إخضاعها. أما أهداف الدولة العبرية فهي محدد بدقة أكبر: بهدف الحفاظ على احتكارها للقوة النووية في المنطقة فهي تسعى إلى إيقاف كل نشاط نووي لطهران، ومنع تجاربها التي تتهمها بأنها ليست فقط ذات أغراض سلمية. وأما تركيا فقد كان لديها قبل انطلاق الأزمة؛ أمل في أن تقود مجموعا إقليميا. فقد كانت شكلت مع سوريا ولبنان والأردن فضاء من أربع دول ألغت فيما بينها التأشيرات؛ وكانت أنقرة تأمل في توسيع هذا التحالف إلى دول الخليج؛ لاقتناعها بأن تطوير طريق بري يعبر سوريا والأردن والسعودية؛ ومن تم دول الخليج سوف يمكن رجال أعمالها من الحصول على صفقات وتعاقدات ذات أهمية كبرى. غير أن هذه المشاريع أصبحت اليوم من قبيل الوهم، فتركيا تجد نفسها اليوم مهددة بالدفق المتواصل للمهاجرين كما تهددها طموحات أكراد سوريا الذين يحلمون بالوحدة مع إخوانهم أكراد تركيا للحصول على دولة كردية مستقلة. وبهدف العمل على إبعاد هذه الإمكانية فإن أنقرة قد قامت بتنازلات غير مسبوقة؛ من شأنها أن تنتهي بإطلاق سراح الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، الذي تم اعتقاله في سنة 1999. ولقد دعاة هذا الأخير أتباعه في الشهر المنصرم إلى نزع السلاح؛ مما قد يُعتبر مقدمة لانطلاقة جديدة في العلاقات بين السلطة التركية المركزية في أنقرة والأكراد، وربما حتى قد يكون الأمر مقدمة لمنحهم نوعا من الحكم الذاتي. استقرار هش توجد سوريا في قلب هذه اللعبة المدمرة للقوى. فتفككها قد يؤدي إلى إعادة تحديد القواعد الإقليمية؛ بل وربما حتى إعادة النظر في بعض الحدود التي تم رسمها على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. لبنان على الخصوص يواجه خطرا داهما؛ فتغيير النظام في سوريا أمر سيهدد استقراره الهش بزعزعة توازن السلطات بين طوائفه. أما فيما يخص الأردن الضعيف والواهن فإنه لم يكن أمامه إلا أن يخضع للضغوط وينضم إلى الحملة الأمريكية- (الإسرائيلية)-التركية ضد الأسد. وبالفعل فبعض الثائرين على نظام دمشق هم اليوم يُسلحون ويُدربون في المملكة الأردنية. وكذلك بالتدفق المكثف للمهاجرين السوريين يهدد توازنه الداخلي الهش. وفي حال ما إذا واصلت (إسرائيل) سياستها الاستيطانية والترحيلية؛ فإن الأردن قد تتحمل من جديد دفقا لا طاقة لها به من المهاجرين الفلسطينيين. إن الأخطار التي تتهدد استقرار المنطقة هي من الهول بحيث على الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا؛ عوض أن يواصلا تناحرهما سوف يكون من الأفضل لهما وللجميع أن يتحدا من أجل فرض وقف لإطلاق النار. من المؤكد أن هناك مجموعات متطرفة تود الاستمرار في المعارك. وهؤلاء من الواجب عزلهم وضبطهم. وأولئك الذين يبدون استعدادهم للتفاوض يجب دفعهم للجلوس إلى مائدة الحوار. والهدف يجب أن يكون التشجيع على تغيير الحكومة – وربما حتى تغيير النظام- في دمشق في أفق إعادة بناء البلد، وإرجاع اللاجئين إلى ديارهم، وضمان حماية الأقليات. وإذا لم تتوصل القوى العظمى إلى فرض مخرج كهذا؛ فيمكن توقع بدون أدنى إمكانية للخطأِ ؛ ليس فقط دمار الجمهورية العربية السورية كما نعرفها؛ ولكن كذلك تداعيات كارثية على مجموع المنطقة. «جون آفريك» العدد2727، للأسبوع مابين 14 و20 أبريل 2013-04-23