المجتمع المدني هو المجتمع غير الحكومي. وهو سلطة من بين خمس سلط هي: السلطة الدينية،السلطة الحكومية،السلطة التشريعية،السلطة القضائية وسلطة المجتمع المدني. فهو مع الربيع الديمقراطي قوة مجتمعية للتدخل غير المباشر، بوسائل غير حكومية وغير عنيفة، في صناعة القرار السياسي الرسمي في كيان الدولة. وهو قوة مجتمعية للتدخل المباشر في صناعة القرار السياسي غير الحكومي في كيان المجتمع خارج كيان الدولة، وهو قوة مجتمعية للتدخل المباشر في صناعة حزمة القيم والمفاهيم وتحقيق التنمية المستدامة والهيمنة الأيديولوجية في المجتمع. من مهامه الدستورية بالمغرب التدخل لحماية مبدأ القانونية في كيان الدولة، وحماية مبدأ الكرامة والعزة في كيان المجتمع. والمجتمع المدني هو مجتمع سياسي غير حزبي. لأن غايته ليست بلوغ السلطة الحكومية كما هو شأن المجتمع الحزبي. وله كتلة أيديولوجية بمراجع فكرية متعددة هي: الفكر الديني والفكر العلماني والفكر المدني.والفرق الأساسي بين المجتمع الحزبي و المجتمع المدني أن الأول غايته بلوغ السلطة وممارستها بشكل مباشر.في حين تغيب هذه الغاية بالضرورة في كل مكونات المجتمع المدني. والمجتمع المدني العربي اليوم مطالب بالإسهام القوي في إنجاز مهام و مقاصد الربيع الديمقراطي المبارك .مقصد إنتاج السلطة الديمقراطية وإعادة توزيعها على مكونات الشعب، مقصد إنتاج الثروة و إعادة توزيعها العادل على طبقات الأمة، مقصد إنتاج خريطة حزمة القيم الحاكمة، ومقصد إنتاج المفاهيم الفكرية الموجهة للثورة الفكرية والثقافية الجديدة. بعبارة ثانية كل هذه المهام الكبرى للمجتمع المدني غير قابلة للتحقق دون حلول الربيع الديمقراطي في كيانه. فبعد أن حل هذا الربيع في بيت الدولة، عليه أن يحل في بيت المجتمع المدني بكل مكوناته الحية. فدمقرطة الدولة تتطلب دمقرطة المجتمع، فالربيع الديمقراطي يبغي حكامة راشدة في أجهزة الدولة، ويبغي أيضاً حكامة راشدة لمكونات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات ومؤسسات وهيئات غير حكومية. فمكونات الحكامة الراشدة متعددة نجملها في الحاجات التالية: أولاً: حاجة الدولة والمجتمع للتربية على احترام مبدأ الديمقراطية و الديمقراطية التشاركية، فهو حق للمجتمع المدني وواجب على المجتمع الحكومي، حق المواطن في التصويت والترشيح و حرمة إرادة الناخب في الاختيار الحر والنزيه، وحق المواطن في التعبير و النقد والمعارضة و اقتراح الحلول للمعضلات القائمة من خلال الملتمسات والعرائض وغيرها من أشكال المشاركة. ثانياً: حاجة المجتمع المدني إلى التربية على مبدأ القانونية في العلاقات داخل المجتمع وبين المجتمع و الدولة. فالدعوة إلى دولة القانون تتطلب احترام مكونات المجتمع المدني للقانون في كل أشكال النشاط المدني. في انتخاب هيئاته القيادية، واحترام مبدأ الانتخاب الديمقراطي النزيه، والشفافية في الانتخاب واتخاذ القرارات الديمقراطية.واحترام مبدأ التناوب والتداول على السلطة داخل المنظمات و الجمعيات،واحترام المدة القانونية لولاية الهيئات القيادية داخل مؤسساته.والشفافية في التصرف في الأموال. ثالثاَ:حاجة المجتمع المدني إلى التربية حقاً وواجباَ على مبدأ الشفافية. وأهمها الحق في المعلومة الصحيحة، وهذا حق صانته بعض الدساتير الجديدة في بلدان الربيع الديمقراطي، وهو مكسب كبير علينا رعايته وتطويره. فالحصول على المعلومة الصحيحة يساعد صاحب صناعة القرار على ترشيد وتسديد قراره، والعدل في الحصول على المعلومة بالتساوي يوفر مناخ تكافؤ الفرص بين المتنافسين و المتبارين. خصوصاً في مجال السياسة والاقتصاد. رابعاً: حاجة المجتمع المدني إلى ممارسة حقه في المراقبة والمحاسبة بالمباشر وبالطرق غير المباشرة. لكن شرطها الحق في الحصول على المعلومة وضمان الشفافية في الدولة والمجتمع. وحاجة المجتمع المدني لحق الدولة أيضاَ في مراقبة الجمعيات قانونياً فيما مدى احترامها للقانون وللديمقراطية الحقة، وحسن التصرف في المال بدون هدر أو سرقة واحتيال.باعتبار كل ذلك ملكا للشعب. وباعتبار كل ذلك من شروط التنمية الحقة للوطن. خامساً:حاجة المجتمع المدني إلى العمل بمبدأ التخطيط، فانتشار ثقافة التخطيط بكل مستوياته القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد عملية بالغة الأهمية في تحقيق الحكامة الراشدة. لأن في ذلك اقتصاداً للوقت والجهد والمال، مع الجودة في العائد السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الثقافي. سادساً: حاجة المجتمع المدني إلى الوعي التاريخي بطبيعة المرحلة وسننها التاريخية الصارمة. ((فشرط الحرية وعي الحتمية)) فلكي يمتلك المجتمع العربي حريته في الفعل التاريخي لابد له من المعرفة بالسنن الحتمية التي تحكم العصر،حتى يمتلك القدرة على تسخيرها لصالح نهضته، والقدرة على التسخير هي الفعل التاريخي الحر للإنسان. بل إن هذه الحاجة حاسمة في تحديد حالة الحكامة في المجتمع الحكومي والمدني معاً.أهي حكامة جيدة أم رديئة؟؟ أخيراً حاجة المجتمع المدني إلى الوعي بمقاصد نشاطه ومنتهاها. فالوظيفة الرئيسية للمجتمع المدني تحقيق العزة والآدمية والنهضة لشعوبنا العربية والإسلامية خلال هذا القرن، فالربيع اليمقراطي فجر فينا قيمة العزة، فلا بد للمجتمع المدني من صيانتها من التآكل مع الزمان، والحل مأسسة العزة وتقنينها. لكن الربيع يبغي أيضاً نقل الأمة من عصر الصحوة إلى عصر النهضة، من عصر بناء الإيمان إلى عصر بناء السلطان والعمران، فلابد للمجتمع المدني من تحمل مسؤوليته في تحقيق هذا الهدف التاريخي الكبير من خلال ثلاث صحوات كبرى: تعميق الصحوة الإسلامية الجارية بين ظهرانينا منذ عقود، إنجاز وتعميق الصحوة الديمقراطية الجارية بين ظهرانينا منذ سنتين، التبشير بالصحوة القومية، أي الانتقال من عصر الدولة القطرية نحو الدولة العابرة للأقطار العربية والإسلامية على نموذج الاتحاد الأوروبي، فالعصر عصر التكتلات الجهوية الكبرى, فلابد من بناء دولة التكتلات، في شمال إفريقيا، وعند عرب آسيا ووسط آسيا، ومهمة المجتمع المدني تشبيك العلاقات بين مكونات المجتمعات المدني في هذه المناطق لكي يحصل الضغط القوي على المجتمعات الحكومية للخروج من عصر التجزئة إلى عصر التكتلات العابرة للأقطار إن أردنا شهوداً حضارياً لأمتنا في هذا القرن.