تنص القاعدة القانونية على ضرورة استناد كل قرار إداري إلى الدواعي التي أدت لإصداره، وإلا كان القرار باطلا لفقدانه ركنا أساسيا هو سبب وجوده ومبرر إصداره، لكن كثيرة هي القرارات التي تصدرها السلطات الإدارية ومرافق الدولة المختلفة( محاكم عمالات، جماعات، مؤسسات عامة) عدد منها يثير الكثير من الإشكالات والصعوبات في فهم الأساس الداعي إلى اتخاذها والآثار المترتبة عنها. في قضية اليوم، سنناقش مسألة الشطط في استعمال السلطة باتخاذ قرار مصيري لشخص بدون داع، من حلال دعوى قضائية رفعها أحد الموظفين بالإدارة العامة لمندوبية السجون وإعادة الإدماج في مواجهة المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج حفيظ بنهاشم، والوكيل القضائي للمملكة. فاهي حثيات هذا الملف؟ تنقيل تعسفي تقدم «محمد» الذي يشتغل كموظف لدى المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برتبة قائد سجن، بدعوى قضائية ضد عبد الحفيظ بنهاشم يشتكي من خلالها الحيف الذي لحقه جراء قرار هذا الأخير القاضي بتنقيله، موضحا أنه وبتاريخ 20 يونيو 2012 تم تبيلغه بقرار المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج يقضي بنقله من السجن المحلي لآيت ملول إلى السجن المحلي تولال 2 ، مؤكدا أن القرار المذكور يفتقد السبب المشروع ومشوب بعيب الشطط في استعمال السلطة. والتمس المعني الحكم بإلغاء القرار الصادر عن المندوب العام بتاريخ 20/06/2012 القاضي بنقله من السجن المحلي لآيت ملول إلى السجن المحلي تولال 2 مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية. وبناء على المذكرة الجوابية التي تقدم بها الوكيل القضائي للمملكة، أكد هذا الأخير بأن الموظف يوجد في وضعية قانونية ونظامية إزاء الإدارة، وهو ما يخول له حق تعديل تلك الوضعية دون أن يحق للموظف المعني أن يحتج بحق مكتسب في البقاء في وظيفته، كما أن المادة 64 من قانون الوظيفة العمومية أعطت للإدارة السلطة الكافية لتقدير مدى حاجتها الملحة لنقل الموظف في نطاق المصلحة العامة وتبعا لدواعي حسن سير المرفق العام، كما أن نقل الطاعن اقتضته المصلحة الإدارية، وجاء في إطار التوجه العام للمندوبية العامة الهادف إلى خلق نوع من التوازن في الموارد البشرية بين كافة المؤسسات السجنية، فضلا على أن الطاعن سبق أن تقدم بطلب انتقال من السجن المحلي بآيت ملول إلى السجن المحلي عين السبع بالدارالبيضاء، وأنه في حدود الإمكان استجابت لطلبه لتقريبه من المنطقة المطلوبة، وبالتالي طالب الوكيل القضائي للمملكة برفض الطلب. قرار غير مبرر جاء في تعليل المحكمة أن طلب «محمد» سار في اتجاه إلغاء القرار الصادر عن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتاريخ 20/06/2012 والقاضي بنقله من السجن المحلي لأيت ملول إلى السجن المحلي تولال 2 بمكناس مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل ومشددا أن القرار محل الطعن كونه مشوبا بعيب السبب، فيما أجاب الوكيل القضائي للمملكة بأن المادة 64 من قانون الوظيفة العمومية أعطت للإدارة السلطة الكافية لتقدير مدى حاجتها لملحة لنقل الموظف في نطاق المصلحة العامة الهادف إلى خلق نوع من التوازن في الموارد البشرية بين كافة المؤسسات السجنية، فضلا على أن الطاعن سبق أن تقدم بطلب انتقال من السجن المحلي بأيت ملول إلى السجن المحلي بعين السبع بالدارالبيضاء وأنه في حدود الإمكان استجابت لطلبه لتقريبه من المنطقة المطلوبة. وذكر التعليل أن الفقه والقضاء الإداريين استقرا على تعريف سبب القرار الإداري بأنه مجموعة من العناصر الموضوعية القانونية والواقعية التي تشكل أساس وقائع القرار الإداري وتقود رجل الإدارة إلى اتخاذ قراره على نحو معين، ومن ثمة فالمفروض في كل قرار إداري أن يستند في الواقع إلى الدواعي التي أدت لإصداره وإلا كان القرار باطلا لفقدانه ركنا أساسيا هو سبب وجوده مبرر إصداره، فإذا ما انعدم الأساس الذي قام عليه القرار وقت صدوره فإنه يغدو غير موجود ولو وجدت أسباب أخرى بعد ذلك يمكن أن تستند إليها الإدارة إذا لم تكن هذه الأسباب قائمة وقت صدور القرار. ولئن كانت الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في توزيع موظفيها حسب مؤهلاتهم وكفاءاتهم ومدى صلاحية كل عنصر، فإنها تبقى خاضعة في ذلك لرقابة القضاء الإداري للتبين من وجه المصلحة العامة المتوخاة من النقل، حيت إن البين المقرر المطعون فيه أن الإدارة المطلوبة في الطعن اكتفت في تعليل قرار نقلها للطاعن بالمصلحة الإدارية، وأضافت بمقتضى جوابها أمام المحكمة بأن النقل جاء في إطار التوجه العام للمندوبية العامة الهادف إلى خلق نوع من التوازن في الموارد البشرية بين كافة المؤسسات السجنية، هكذا بصيغة العموم دون إيراد أي واقع محدد أو معطيات ثابتة تؤيد ادعاءها كما لم تدل بيانات واضحة بخصوص ما إذا كان السجن المحلي تولال 2 يعاني من نقص في الأطر الإدارية يستوجب تدعيمه بموارد بشرية، ولم تبرر أسباب وقوع اختيارها على المعني بالأمر، فضلا على أن ادعاءها أمام المحكمة بأن نقل الطاعن إلى السجن المحلي بتولال 2 بمكناس كان بهدف تقريبه من المنطقة المطلوبة بمقتضى طلبه انتقاله مخالف للواقع بالنظر إلى المسافة الفاصلة بين مدينة مكناس ومحل العمل المطلوب الانتقال إليه المتواجد بمدينة الدارالبيضاء الأمر الذي يبقى معه القرار المطعون فيه متسما بالتجاوز في استعمال السلطلة لعيب السبب، لذلك وجب القضاء بإلغائه مع يترتب على ذلك قانونا. وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية صرحت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار الصادر عن المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتاريخ 20/06/2012 القاضي بنقل الطاعن من السجن المحلي لأيت ملول إلى السجن المحلي تولال 2 بمكناس مع ما يترب على ذلك من آثار قانونية.