من حيث السياق كان هو سياق اندلاع الربيع العربي وتفاعلاته في المغرب بتصاعد الاحتجاجات الشبابية من خلال حركة 20 فبراير، ثم وهذا مهم كذلك من خلال ارتفاع منسوب الاحتجاج الشعبي التلقائي في المغرب آنذاك والاحتجاجات النقابية الفئوية التي بلغت حدا غير مسبوق والتي غزت شوارع مدينة الرباط بشكل منقطع النظير، هو سياق اختلطت فيه مطالب إصلاحية سياسية بعضها كان تحت سقف الملكية البرلمانية وبعضها راديكالي لم يكن يريد أن يكون هناك سقف على أساس أنه كلما زاد المد الاحتجاجي وتوسع وغزا الشارع إلى غاية احتلاله وتحوله إلى ساحة من الساحات على غرار ما حدث في ساحة التحرير مثلا وما حدث في تونس قبل ذلك وفي اليمن بعد ذلك . بطبيعة الحال من خلال تحليلنا نحن في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب كنا نميز بين المطالب الاجتماعية والسياسية الموضوعية التي لها علاقة بالوضعية الاجتماعية والملف المطلبي في شموليته من جهة وبين المطالب الفئوية المتناسلة التي يوجد فيها جانب قابل كي يتم التجاوب معه في الحين وجانب آخر تغلب عليه النظرة الفئوية ولا يراعي منطق الأولويات والتركيز على الفئات الاكثر تضررا. من جهة ثانية كنا واعين أيضا أن النزول إلى الشارع كحركة نقابية مطلبية لن تكون نتيجته سوى تغذية بعض التوجهات الراديكالية المعزولة التي تسعى أن تحول الحراك الشبابي من حراك يسعى إلى الإصلاح ضمن سقف يتناسب مع الخصوصية المغربية سياسيا واجتماعيا إلى سقف مجهول العواقب. من جهة ثانية كنا مع مجمل المطالب التي رفعها الحراك الشبابي، لذلك بعد التشاور قررنا داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب طريقة للتعبير عن انخراطنا في الحراك بطريقتنا الخاصة، فلما جاءت فكرة نداء الاصلاح الديمقراطي بمبادرة من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية انخرطنا فيها ، أولا من خلال عشرات المهرجانات والفعاليات الشعبية الحاشدة في جميع جهات المغرب ثم أيضاً من خلال مسيرة فاتح ماي لسنة 2011 التى نتصور أنها كانت من أكبر المسيرات العمالية والتي عبأت حوالي 100000 مشارك والتي كانت مناسبة للتأكيد على مختلف المطالب التي تضمنها نداء الاصلاح الديمقراطي ومنها على الخصوص: -ضمان إنجاز التعهدات المعلنة لإجراء إصلاحات دستورية عميقة من أجل تكريس الخيار الديمقراطي وإقرار الفصل الفعلي بين السلطات لجعلها متوازنة.. -المطالبة بتوفير الضمانات السياسية والقانونية والمسطرية لتحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي اللازم، والذي من شأنه أن يعيد الثقة في العمل السياسي والحزبي، ويضمن نزاهة وشفافية الانتخابات تشريعا وتنظيما وإشرافا ورقابة، وينهي كل أشكال التحكم والسلطوية والإفساد، ويحصن المغرب ضد أي نكوص أو تراجع عن الخيار الديموقراطي. - الاستجابة لمطالب الشباب في الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية والمدنية، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وضمان إسهامها في ورش الإصلاح الدستوري والديمقراطي.. زيادة على إطلاق مبادرات مسؤولة وذات مصداقية لتعزيز الثقة في الإصلاح وإسقاط الفساد ومحاسبة المفسدين وإلغاء قانون الإرهاب وإنهاء مظالم مرحلة التحكم والسلطوية والطي النهائي لملف الاعتقال السياسي ومعالجة مقدامة للانتهاكات الجسيمة لمرحلة (1999- 2011)، وتطهير البنيات المؤسساتية والتشريعية من جميع القيود المفروضة على حرية الصحافة، وبناء إعلام عمومي مهني وتعددي وتنافسي». المطالبة بإصلاحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي «تقطع مع الاحتكار وتنهي كل مظاهر استغلال النفوذ لكسب الثروة وتتصدى لاقتصاد الريع وتعمل على إقرار التنافسية والشفافية وبناء مقاولة وطنية عصرية ومواطنة، وخلق مناخ جدي للأعمال والاقتصاد وبناء تعاقد بين الفرقاء في الحقل الاجتماعي والاقتصادي يؤسس لسلم اجتماعي حقيقي ويستجيب للمطالب المشروعة لمختلف فئات المجتمع ويحقق العدالة بين الأفراد والفئات والجهات». وتجدر الإشارة إلى أن شعار « الاصلاح في إطار الاستقرار « هو إبداع خالص لمكونات نداء الاصلاح الديمقراطي. بطبيعة الحال كان هذا الشعار استباقيا وعبر عن وعي عميق بالواقع السياسي والاجتماعي المغربي وبالخصوص يأت المغربية على الرغم من أن النفس العام الذي جاء مع الربيع العربي كان نفسا ثوريا ضاغطا. بطبيعة الحال نحن لسنا من النوع الذي يغير جلده أو يسير مع الريح حيث اتجهت بل قد كانت لنا نظرتنا للإصلاح وفهمنا لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي المغربي. والواقع أننا فوجئنا بحجم التجاوب الشعبي مع شعار الاصلاح في نطاق الاستقرار. المغاربة يريدون الاصلاح ويريدون مقاومة وإسقاط الفساد ولكنهم غير مستعدين للتضحية بالاستقرار، ونتائج الانتخابات التشريعية أيضاً كانت تصويتا على هذا الخيار وكان كثيرون يقولون بأن التصويت للعدالة والتنمية سيكون عقابيا بسبب عدم خروجه للشارع مع حركة 20 فبراير ثم بعد ذلك بدا البعض يردد أن العدالة والتنمية استفاد من 20 فبراير وكل هذا غير دقيق . التصويت كان لحزب موجود في الميدان بعمله اليومي وبنضاليته ومواقفه واستماتته في الاصلاح ثم بوضوح نظرته ووفائه لمنطقه السياسي ولخياره القائم على الاصلاح في نطاق الاستقرار. اليوم نستطيع أن نقول إن نداء الاصلاح الديمقراطي إحدى المحطات البارزة في التاريخ السياسي الحديث للمغرب، وإحدى العوامل التي أسهمت في تجاوز المغرب لتلك المرحلة الدقيقة علما أن مكونات الإصلاح الديمقراطي كان لها مساهمة وازنة في ورش الاصلاح الدستوري سواء من خلال المذكرات التي قدمتها مكوناتها أمام اللجنة الاستشارية الخاصة بمراجعة الدستور أو من خلال الآلية السياسية. واليوم يمكن للمرء أن يدرك أهمية شعار الإصلاح في نطاق الاستقرار مقارنة بما تعرفه دول الربيع العربي وبحثها المتواصل عن الاصلاح كي تشرع في الاصلاح . يمكن إدراك الكلفة العالية لغياب الاستقرار هذا مع وجود الفارق.