أكّد رئيس مجلس شورى حركة النهضة، التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس، فتحي العيادي، في تصريحات صحفية، تمسك الحركة بإعادة ترشيح الأمين العام للحزب حمادي الجبالي لرئاسة الحكومة، بعد يوم من إعلانه الاستقالة على خلفية فشله في تحقيق توافق حول تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، وفق ما ذكرت «وكالة الأناضول للأنباء» أمس. وكان الجبالي قد قدَّم استقالته إلى المرزوقي، بعد فشل مبادرته لتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، وأعلن في كلمة متلفزة، أول أمس، أنّه لن يترشح في الانتخابات المقبلة. لكن مسئولين في الحركة والتي تحظى بأغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي، قالوا إنَّ الحركة قد تعيد تسمية حمادي الجبالي كمرشحها لرئاسة الحكومة. وقد جاءت استقالة رئيس الوزراء التونسي في غمار أزمة سياسية شديدة تمر بها البلاد، حيث كان يحاول تشكيل ائتلاف جديد ردًا على الأزمة السياسية التي تفجرت في تونس إثر اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد، الذي أثار احتجاجات شعبية واسعة واستقالات في صفوف الحكومة. وأقرّ الجبالي الاثنين الماضي بأن مساعيه لتشكيل حكومة من خارج الأحزاب السياسية باءت بالفشل وذلك بسبب رفض حزبه، حزب النهضة. ولكنه قال إنَّه سيستأنف المحادثات من أجل التوصل إلى تشكيلة حكومية تنال دعم غالبية الأحزاب السياسية، غير أنه عاد وأعلن مساء أول أمس الثلاثاء بعد اجتماعه برئيس البلاد منصف المرزوقي استقالته من منصبه. وقال في الخطاب المتلفز إن استقالته تأتي «من أجل مصلحة البلاد ولاسترجاع ثقة النخبة السياسية ووفاء لعهده الذي قطعه سابقا بالاستقالة» إذا فشلت مبادرته لتشكيل حكومة كفاءات. واعتبر أنه لن يكون هناك فراغ سياسي في الدولة وأن استقالته وفشل مبادرته «لا تعني فشل تونس». وأضاف أن مبادرته كانت تهدف تجنيب البلاد دوامة العنف بتشكيل حكومة «بعيدة عن التجاذبات السياسية بأولويات واضحة أولها التشغيل والتنمية الجهوية». ولفت إلى أنه طلب من الأحزاب دعم مبادرته وهو «لايزال على اقتناع بمقترح حكومة تكنوقراط كحل». وجدد الجبالي تعهده أنه لن يترشح لانتخابات قادمة ولن يسعى لمنصب مهما كان، موضحا أنه ما زال على عهده بخدمة الشعب التونسي ولكن «بشروط». ولم ينف ترشحه مرة أخرى لرئاسة الحكومة واشترط أن تكون «حكومة بعيدة عن التجاذبات السياسية وتدافع عن التونسيين»، مضيفا: «لن أنخرط في حكومة مستقبلية لا تحدد تاريخا للانتخابات المقبلة». وأشرف الجبالي صباح أول أمس على مجلس للوزراء تدارس خلاله الوضع العام في البلاد في الظرف الراهن والفترة المقبلة مستعرضاً حاصل النتائج التي تمخضت عن المشاورات والاتصالات الجارية مؤخرا مع كافة ممثلي الأحزاب الوطنية في إطار المبادرة الخاصة بتشكيل حكومة كفاءات وطنية. وقبل أن يلتقي المرزوقي، قام الجبالي بتوديع مجلس الوزراء وطلب منهم “تصريف الشؤون اليومية". وقال مصدر لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس): “لم ينبس بكلمة استقالة لكن فهمنا بوضوح أنه سيلتقي الرئيس لإعلان ذلك". وقال عضو آخر في الحكومة “لقد أعلن بوضوح أنه راحل". وكان الجبالي صرح الاثنين للصحافيين عقب المفاوضات التي أجراها مع الأحزاب: “لاحظت أنه ليس هناك وفاق حول المبادرة كما قدمتها... سأذهب (..) إلى الرئيس للنظر في الخطوات المقبلة"، مشيراً إلى إمكانية النظر في حل آخر. وتعمل الأطراف السياسية على تهدئة وضع متوتر منذ صيف 2012 وخصوصاً منذ اغتيال المعارض شكري بلعيد في 6 فبراير، وتوفير شروط انتخابات وإخراج المجلس الوطني التأسيسي من مأزقه ليتمكن من صياغة الدستور الجديد. ورغم أن الأحزاب ال 15 التي شاركت في مشاورات الجبالي الجمعة والاثنين عبرت عن استعدادها لدعم حكومة مختلطة تضم وزراء سياسيين وغير متحزبين، فإن الاختلافات تظل كبيرة ما يؤذن بمباحثات صعبة. ومن المقرر أن يكون راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قد بحث أمس مع رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي مرشح الحركة (الفائز الأول في الانتخابات السابقة) لتشكيل الحكومة الجديدة. وقال مصدر من حركة النهضة، ل«وكالة الأناضول»: إن المرزوقي اتصل مساءا (الثلاثاء) برئيس الحركة ودعاه لاجتماع غدا (الأربعاء) لمعرفة مرشح الحركة لخلافة الجبالي. ويفوض القانون المنظم للسلطة في تونس، الحزب ذو الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، في ترشيح شخصية لرئاسة الحكومة، وهو حزب النهضة في هذه الحالة. وعلى صعيد آخر، تسعى أحزاب الائتلاف الحاكم عبر سلسلة من المشاورات انطلقت في الأيام الأخيرة إلى توسيع الائتلاف الحكومي والتوافق على تركيبة الحكومة الجديدة التي من المنتظر أن تضم أحزاب الترويكا (النهضة المؤتمر من أجل الجمهورية التكتل من أجل العمل والحرّيات) ودخول حزب حركة وفاء المعارض الذي يتزعمه عبد الرؤوف العيادي، إضافة إلى ممثلين عن الكتلة البرلمانية «الحرية والكرامة» المعارضة. كما أن النهضة أجرت مفاوضات موسعة شملت الحزب الجمهوري المعارض الذي يتزعمّه أحمد نجيب الشابي. وأظهرت المشاورات الأولية ليونة في موقف حركة النهضة؛ إذ أكد عدد من قياداتها، في تصريحات إعلامية خلال الأيام الأخيرة، استعدادهم للتخلي عن وزارتي العدل والخارجية.