"الشرق الأوسط" - تونس: المنجي السعيداني لندن: نادية التركي في الوقت الذي أعلن فيه حمادي الجبالي تمسكه بقراره حول تشكيل حكومة تكنوقراط، ونصح أمس الناطق باسم رئاسة الجمهورية التونسية ب«التريث قبل إطلاق التصريحات»، قال عدنان منصر، الناطق الرسمي باسم الرئاسة، ل«الشرق الأوسط»، إن «موقف الرئاسة من قرار حمادي الجبالي نعتبره تصريحا بموقف إعلامي وننتظر التفاصيل. وحسب التنظيم المؤقت الذي تقوم على أساسه الحكومة لا يمكنه القيام بتحوير كبير، ويمكنه فقط أن يستقيل ويقدم استقالة حكومته، أو إجراء تحوير صغير على مستوى بعض الوزارات، أما كامل الحكومة فهذا غير ممكن». وأضاف أنه كان «لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة لقاء بالأمس، وقال فيه الجبالي إن الأمر يتعلق بتحوير وزاري». وأوضح منصر أمس في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن «ندعو لحكومة توافق وطني، لأن هذا الوضع لا يتحمل حكومة (تكنوقراط) مغزاها عدم القدرة على الاختيار السياسي، ويجب إحداث تغيير كامل، مما يتطلب تدخل السلطات السياسية». وقد أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية، وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، مساء أمس، تمسكه بتشكيل حكومة تكنوقراط، وأنه لن يذهب إلى المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) للحصول منه على «تزكية» لهذه الحكومة، رغم رفض حزبه. ونقلت وكالة الأنباء التونسية الحكومية عن الجبالي قوله «أنا متمسك بقراري بخصوص تشكيل حكومة تكنوقراط، ولن أذهب إلى التأسيسي لتزكيتها، وتركيبة هذه الحكومة جاهزة تقريبا». وقال الجبالي «أنا مقتنع بهذا الخيار، وهو أفضل الحلول بالنسبة للوضع في تونس، فهو يخدم مصلحتها ويجنبها مزيدا من التوتر». وأضاف في تصريح لوسائل الإعلام بقصر الضيافة بقرطاج قوله «إن الحكومة الجديدة ستكون محايدة عن الأحزاب وستعمل جهدها من أجل تحقيق أهداف الثورة والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي بسرعة»، داعيا الأحزاب السياسية لدعم هذه الحكومة. وقال الجبالي «للأسف هناك أحزاب بدأت تملي شروطها وكأنها تبحث عن تعلات لإفشال هذه المبادرة، وأدعوها إلى عدم عرقلة الحكومة الجديدة وأن تتجرد من النظرة الحزبية الضيقة». وأكد ثقته في مساندة حركة النهضة لقراره «إنقاذ البلاد» قائلا «أنا متأكد أن صوت الحكمة سيتغلب على كل الاعتبارات لنصرة هذا الشعب». وأضاف أن «المسألة تتعلق بتحوير وزاري وليس بحكومة جديدة، بمعنى أنه سيتم الإبقاء على الوزراء التكنوقراط في الحكومة الحالية مع إضافة تكنوقراط جدد». وقد سبق أن قال عدنان منصر في ندوة صحافية عقدها، أول من أمس، إن الرئاسة ستلتزم بمقتضيات القانون المؤقت لتنظيم السلطات العمومية بشأن تكوين حكومة جديدة، كما ستلتزم بالمجلس التأسيسي (البرلمان) كسلطة أصلية منتخبة. وأضاف أن رئيس الحكومة لم يقدم استقالته ولا استقالة وزرائه، وذلك وفق ما تضمنه الفصل 15 من القانون المنظم للسلطات العمومية الذي يترك مدة 21 يوما لرئيس الحكومة على أن يجري رئيس الجمهورية مشاوراته مع الأحزاب السياسية لتكليف شخصية سياسية ذات كفاءة بتشكيل الحكومة الجديدة في «صورة» فشل الجبالي في تكوين حكومة الكفاءات التي دعا لها. ومن جهته، قال فيصل نصر، القيادي في حركة النهضة، ل«الشرق الأوسط»، إن الحركة لا تزال تدرس مبادرة حمادي الجبالي الداعية إلى تشكيل حكومة كفاءات بعد فشل التعديل الوزاري، وإن الحركة لم يستقر رأيها بعد، وستصدر موقفها الرسمي في فترة لاحقة. وأضاف أن الحركة لم تتخذ إلى حد الآن موقفا نهائيا من تلك المبادرة التي وصفها محللون سياسيون بأنها بمثابة «الانقلاب المقنع» أو عملية المرور بقوة نحو التعديل الوزاري بعد تناقض مواقف الائتلاف الثلاثي الحاكم وأحزاب المعارضة. وأثرت تلك المبادرة على المشهد السياسي، وأشاعت من جديد أجواء الخلاف على إدارة الشأن السياسي، وتعمقت هوة الانقسام تحت قبة المجلس التأسيسي (البرلمان) الهيئة الوحيدة المنتخبة من قبل التونسيين، ودعمت المعارضة مبادرة حمادي الجبالي ودعته إلى تقديم استقالته من حركة النهضة، والبدء في مشاورات لتشكيل حكومة الكفاءات أو «التكنوقراط»، في حين تمسك أعضاء الائتلاف الثلاثي الحاكم بمبدأ التوافق في إدارة تونس بعد الثورة. وأشارت بعض أحزاب المعارضة إلى انشقاق طارئ في قيادات حركة النهضة، وقالت إن الحركة تحت ضغط قواعدها ومنخرطيها قد تضطر لسحب ثقتها من أمينها العام. وكان حمادي الجبالي قد التقى، بداية الأسبوع الحالي، حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ووداد بوشماوي رئيس اتحاد رجال الأعمال ومحافظ البنك المركزي، وقد اتخذ تلك المبادرة بعد يومين من تلك اللقاءات، وقد عدتها أحزاب المعارضة «قرارا ثوريا». إلا أن مبادرة حمادي الجبالي تعترضها صعوبات دستورية ومراحل لا بد من احترامها، من بينها عدم إمكانية تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة دون الرجوع إلى الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة. كما أن حركة النهضة نفسها لم توافق على مبادرة حمادي الجبالي، وأبدت قيادات من حركة النهضة تحفظها تجاه المبادرة منذ إطلاقها. وفي هذا السياق، صرح محمد الكيلاني، الأمين العام للحزب الاشتراكي المعارض، ل«الشرق الأوسط»، بأن المبادرة جاءت متأخرة كثيرا، وأن السلطة التي وقعت في مأزق العجز عن التعديل الوزاري، وبذلك تكون قد فقدت الجزء الأكبر من شرعيتها. وأضاف أن المشهد السياسي لن يتغير بمجرد تشكيل حكومة جديدة، وأن المشهد السياسي الحالي في حاجة ملحة إلى ضرورة التفكير في إدارة جماعية للخلاف السياسي الحاد الذي تعيشه تونس بعد الثورة.