الجمال قيمة من قيم الحياة التي تغنى بها الإنسان ومجدها في أشعاره وفنونه. ولقد خلق الله عز وجل الإنسان من طين فكان جسدا تحركه غرائزه للالتصاق بالأرض، ونفخ فيه روحه ليجعل منه كائنا يرنو بقلبه متطلعا إلى السماء، يطلب السمو والصفاء، وفي عصر هيمنت فيه ثقافة الولع بالغرائز، صار الجسد صنما يعبد واضطربت مقاييس الجمال اضطرابا مريعا تبلد معه إحساس الإنسان بكل اللمسات الخفية الرائعة المنسابة في هذا الكون، ومضى تائها يتقلب بحس مادي غليظ تلفه بشاعة التفاهة والركض وراء كل صيحة تلوح في الأفق. ولعل حظ المرأة من هذا التيه أعمق في زمن افتتن كهنته بتشريح جسدها وإعادة تفصيله حسب المقاس المطلوب في سوق الغرائز الدولي لقد تحولت إلى ديكور للاستعراض عليه، فلا يتوقف عن تغيير شكله ولونه وتلميع جلده... و.. هلم جرا حسب فصول السنة، بل وحسب ساعات اليوم. وفي هذا السياق تدر مستحضرات التجميل أرباحا خيالية على شركاتها العالمية التي ما فتئت تتوسع حتى أنك لتستغرب عندما تجد في بلدان افريقية يحصدها الجوع والمرض فروعا لمثل هذه المؤسسات العملاقة، التي تقذف مصانعها سيلا عارما من المساحيق والأصباغ، وأنواعا متنوعة من المركبات، وتبحث لها باستمرار عن أسواق تنقذها من الكساد، وتسعى بواسطة الدعاية الإعلامية لخلق أذواق جمالية استهلاكية تخدم أهدافها التجارية. لقد صارت نساء القرن العشرين مهووسات بمظاهرهن لدرجة أن البعض منهن يصبن بالاكتئاب وهن يراقبن تفاصيل جمالهن صباح مساء، وطبيعي أن كل جمال يفقد نضارته بفعل دورة الحياة، وهنا قد تصرف الأموال الطائلة لمعاكسة هذه الدورة، كما هو الشأن في عمليات شد الوجه لإزالة التجاعيد، وغيرها من جراحات التجميل التي عرفت ازدهارا ملموسا. إنه طوفان قوي قد تجد المرأة العادية نفسها منخرطة في دوامة تقليعاته، فتسرف في اقتناء المستحضرات والتردد على العيادات التجميلية، ويكون ذلك على حساب تربية أطفالها والاهتمام بأسرتها على حساب تكوينها العقلي والثقافي. وتعتقد أنها بذلك تحافظ على زوجها من الانفلات في ظل منافسة شديدة للإثارة والتفنن في التبرج، وقد يكون سلوك الزوج الزائغ دافعا لهذا الاعتقال: إنه الطعم المر الذي يدنس العلاقة الزوجية عندما تتورم ثقافة المظهر وتصير سرطانا يئد المظهر ويفلس الجوهر الذي يتعفن من شدة الإهمال وعدم تنافس الخُلُق في تجميله وتلميعه، مع أن جماله أعظم نفعا وأشد مقاومة للتآكل والفناء، وهو الجمال الذي يضيء للإنسانية طريقها نحو القوة والمجد. وعلى الزوج أيضا أن يدري أن الفتنة المبثوثة في كل مكان عبر مئات النساء، لا يمكن أن تجتمع في امرأة واحدة حتى لا يطلب المستحيل من زوجته وتزل قدمه فيفسد آخرته ودنياه. وإذا كانت المرأة مطالبة شرعا أن تتزين لزوجها دون أن تتحول إلى دمية جوفاء، فإنها لاشك ستكون أبهى عندما يشع من عينيهما الصدق والوفاء والأمن، وعندما يرفل جسدها في حلل الكرامة والعفاف ويرفض أن يرابط إلى جانب البضائع، بل يعتلي منابر العلم والمسؤولية، ولن يضاهي جمال يدها جمال وهي تمتد حانية لتمسح دموع المحرومين والجائعين، عندئذ فقط تستحق أن تتربع على عرش جمال الكون! أ. سعاد لعماري