ما زالت فوارق كبيرة ما بين جهات المغرب تؤثر على وتيرة تنميتها، خصوصا أن هناك تركز ما يناهز نصف القيمة المضافة الوطنية للفلاحة بكل من جهتي سوس ماسة والرباطسلاالقنيطرة، وتركز أكثر من 60 % من الصناعة في ثلاث جهات بالمملكة وهي الدار البيضاء-سطاتوالرباط-سلا-القنيطرة، ومراكش-آسفي . وحتى التجارة والخدمات فقد ساهمت أربع جهات خلال نفس الفترة، بما يفوق نصف القيمة المضافة لأنشطة هذا القطاع، وهو ما يتطلب التسريع بإنزال مقتضيات الجهوية من أجل الحد من الفوارق الكبيرة بين الجهات أو تقليل الهوة بينها. تفاوت بين الجهات تبين المعطيات أن التفاوت بين الجهات بالمغرب ما زال قائما، وهو ما جعل المغرب يؤسس لجنة استشارية للجهوية قدمت تقريرها حول تصورها للجهوية الموسعة، بالإضافة إلى دعوة الملك محمد السادس في آخر خطاب له المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تنزيل الجهوية على أرض الواقع. ويبرز تحليل الناتج الداخلي الخام حسب الجهات، خلال الفترة ما بين 1998و2010، تقدما لجهة الدار البيضاءسطات التي ساهمت في المتوسط بنسبة 24,6 % في تكوين الناتج الداخلي الخام الوطني متبوعة بجهات الرباط-سلا-القنيطرة ( 15,7 %)، ومراكش-آسفي ( 11,1 %)، ثم سوس-ماسة ( 10,5 %) وحسب التقرير الاقتصادي والمالي لوزارة المالية والاقتصاد فإن هذا التمركز يعكس الإرث التاريخي لاختلال التوازن الحاصل بين الأقاليم والذي يجب تجاوزه من خلال دينامية الجهات الحالية، أو عن طريق مسارات جديدة أخرى يمكن أن تنبثق عن الحكامة الجهوية الجديدة، غير أن تحليل وتيرة النمو حسب الجهات، يوضح أن الجهات الأقل مساهمة تبدو أكثر دينامية، مسجلة بذلك معدلات نمو تتجاوز معدل النمو الوطني (6,2%)، وهي جهات العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب ومراكش أسفي ثم درعة تافيلالت بمعدلات نمو بلغت 11,4 % و 9,6 % و 7,7 % ثم 7,2 % على التوالي. الفوارق في النمو أكدت وزارة المالية والاقتصاد أنه تم رصد هذه الفوارق بين الجهات، فيما يتعلق بمساهمتها في النمو على مستوى مؤشر الناتج الداخلي الخام المتاح للفرد، ولكن بفارق أقل. فقد سجل هذا المؤشر تحسنا ملموسا، خلال الفترة قيد الدراسة، بوتيرة تختلف من جهة لأخرى. ومقارنة مع المستوى الوطني، فقد حققت 5 جهات من بين 12 جهة ناتجا داخليا خاما يتعدى المستوى الوطني، ويتعلق الأمر بجهات العيون-الساقية الحمراء بحوالي 25.240 درهم للفرد، وجهة سوس-ماسة (24.029 درهم للفرد)، والدار البيضاء-سطات ( 22.412 درهم للفرد) والرباط-سلا- القنيطرة (20.062 درهم للفرد) وكذا، الداخلة-وادي الذهب( 19.949 درهم للفرد). وفيما يتعلق بدينامية النمو، عرفت جهة العيون الساقية الحمراء أقوى نسبة نمو للناتج الداخلي الخام المتاح للفرد بمعدل سنوي قدر بنسبة 7,3 %، متبوعة بكل من جهات مراكش-آسفي ( 6,6 % ودرعة-تافيلالت%6,5 ) وبني ملال-خنيفرة ( 6,3 %) والشرق-الريف(5,4 (%، ثم طنجة-تطوانوالدار البيضاءسطات (%5,1) لكل واحدة على حدة. ومن ناحية أخرى، تؤكد دراسة التقارب بين الجهات، من خلال الناتج الداخلي الخام المتاح للفرد، أن تطور اقتصاد مختلف الجهات يتجه نحو التقارب، في إطار مسلسل الاستدراك الذي بدأته الجهات الأكثر دينامية وكذا، ظاهرة الاختناق التي تعيشها الأقطاب الاقتصادية التقليدية، التي تعد قاطرات النمو على المستوى الوطني. وتعد نسبة 5,5 % كل سنة هي سرعة التقارب الضرورية، خلال 18 سنة، لتغطية نصف الفارق الذي يفصلها عن حالتها الثابتة. وقد جاء توجه الجهات المتأخرة نحو استدراك الفارق مع الجهات المتقدمة نتيجة للتأثير البيني للجهات والمدعم، أكثر فأكثر، في اتجاه توزيع أفضل لركائز النمو الجهات والخصوصيات الاقتصادية بالإضافة إلى التركيز المجالي للناتج الداخلي الخام، فقد تم رصد تركيز قطاعي مرتبط بمؤهلات الجهات وخاصياتها وتركيباتها الديمغرافية، زيادة على مؤهلاتها الاقتصادية والاجتماعية . فخلال الفترة الممتدة م بين 1998 و2010 ، تركز ما يناهز نصف القيمة المضافة الوطنية للقطاع الأول(الفلاحة) بكل من جهتي سوس ماسة بمساهمة قدرها 31,6 % والرباطسلاالقنيطرة بنسبة 16,9 % في المتوسط، متبوعتين بجهتي الشرق والريف ( %13,9 ) وبني ملال-خنيفرة (%12,6 ) . أما بالنسبة للقطاع الثاني(الصناعة)، فإن أكثر من 60 % من القيمة المضافة تتركز في ثلاث جهات بالمملكة الدار البيضاء-سطات ( 42,5 %) والرباط-سلا-القنيطرة (10,5 %)، ثم مراكش-آسفي . % 10,4 وشمل هذا التركيز أيضا القطاع الثالث (التجارة والخدمات)، حيث ساهمت أربع جهات خلال نفس الفترة، بما يفوق نصف القيمة المضافة لأنشطة هذا القطاع، وهي الدار البيضاء ( 21,5 %)، والرباط-سلا-القنيطرة ( 18,1 %)، ومراكش- آسفي ( 12,2 %) ثم فاس-مكناس(%11,4). وأبرزت الدراسة كذلك، تخصصا قطاعيا نسبيا للجهات، نظرا لكون مساهمة مختلف القطاعات في تشكيل الناتج الداخلي الخام الجهوي تختلف من جهة إلى أخرى. وهكذا، تميزت جهات سوس-ماسة، والشرق والريف ثم بني ملال-خنيفرة، بسيادة القطاع الأولي مقارنة بالمستوى الوطني. في حين اتسمت جهات الدار البيضاء-سطات، وطنجة-تطوان، ثم العيون الساقية الحمراء بسيادة أنشطة القطاع الثاني الذي يعد من خصوصيات هذه الجهات. ويتبين من خلال هذا التحليل، الذي يهم تطور الجهات عبر مقاربة اقتصادية تعتمد على الناتج الداخلي الخام الجهوي، انبثاق أقطاب تضم مناطق حضرية قوية اقتصاديا الدارالبيضاء-سطات، وسوس-ماسة، والرباط-سلا-القنيطرة، وكذلك مراكش-آسفي من جهة، ومجالات ترابية متنوعة من جهة أخرى طنجة-تطوان، والشرق-الريف، وفاس-مكناس، ثم بني ملال-خنيفرة. وتتكون هذه الأخيرة من جهات قادرة على دعم نموها الخاص، باستغلال أكبر للموارد الطبيعية والبشرية المحلية. كما يتبين ظهور جهات ذات طابع صحراوي (كلميم-واد نون، ودرعة-تافيلالت، والعيون-الساقية الحمراء، ثم الداخلة-وادي الذهب) مؤهلة لمستوى جديد من النمو أسرع من النسب المسجلة حاليا، والذي من المفترض أن تدعمه الأولويات الوطنية المخصصة لهذه الجهات.