تعاني المحاكم التجارية بالمغرب من العديد من المشاكل، فيما يتعلق بالقضاة من حيث العدد والتوزيع المكاني، بالإضافة إلى المعيقات المتعلقة بصعوبات تنفيذ الأحكام، والاختصاص النوعي و المكاني. إبراهيم الأيسر، مدير الشؤون المدنية أعد دراسة حول واقع القضاء التجاري بالمغرب تم عرضه بالجلسة الجهوية التاسعة حول الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة المنظمة بمدينة طنجة نهاية الأسبوع. وأكد «الأيسر»أن تشخيص واقع المحاكم التجارية بالمغرب كما تم التطرق إليه من خلال هذه الدراسة؛ يحيل على ضرورة صياغة مجموعة من التصورات، من قبيل الإبقاء على تجربة المحاكم التجارية كما هو عليه الحال، أو الاستغناء عن المحاكم التجارية مع الاقتصار على محكمة تجارية ومحكمة استئناف تجارية بالدار البيضاء، أو إنشاء محاكم للأعمال تنظر في القضايا التجارية إلى جانب القضايا الاجتماعية والقضايا التي لها علاقة بالمجال الاقتصادي. وأن اعتماد أي تصور من هذه التصورات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار توفير الظروف الملائمة للاستثمار وتشجيعه وتحقيق الأمن القضائي الاقتصادي يؤكد المتحدث نفسه . 174 قاضي بمحكمتي الاستئناف يبلغ مجموع القضاة العاملين بمحاكم المملكة 3250 قاضيا تتوزع بين 2952 بالمحاكم العادية، و298 قاض بالمحاكم المتخصصة، فيما يبلغ عدد القضاة بالمحاكم التجارية بدرجتيها 174 قاضيا. العدد الإجمالي للموظفين العاملين بمحاكم المملكة يبلغ 10آلاف و982 موظفا بالمحاكم العادية و1093 موظفا بالمحاكم المتخصصة. وتعرف المحاكم التجارية انعدام التوازن النسبي في توزيع الموظفين على مستوى المحاكم التجارية بدرجتيها، مما يؤثر على مردودية العمل، فبمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء التي راج بها 58,61 في المائة من القضايا يعمل بها 43,26 في المائة من الموظفين. محكمة الاستئناف التجارية بفاس التي تمثل 18,18 من حجم القضايا الرائجة توجد بها نسبة 33,33 بالمائة من الموظفين. محكمة الاستئناف التجارية بمراكش التي تمثل نسبة القضايا الرائجة أمامها 23,21 في المائة تعمل بها نسبة 23,40 في المائة من موظفي محاكم الاستئناف التجارية بالمملكة. ويلاحظ انعدام التوازن على مستوى المحاكم التجارية، فبالنسبة للمحكمة التجارية بوجدة تمثل 2,55 في المائة من القضايا يقابلها 9,38 في المائة من الموظفين، أما المحكمة التجارية بفاس ف 4,65 في المائة من القضايا يقابلها 12,87 في المائة من الموظفين، وبالمحكمة التجارية بمكناس يقابل 3,21 في المائة من القضايا 9,38 في المائة من موظفي المحاكم التجارية. عدد القضايا بالنسبة للقضاة بمختلف المحاكم تمثل المحكمتان التجاريتان الاستئنافية على التوالي 58,61 في المائة، و59,76 في المائة من القضايا المعروضة على المحاكم التجارية بصفة عامة، ويصل معدل القضايا التي تنوب كل قاض إلى 3190,11 قضية. يبلغ متوسط عدد القضايا بمحاكم الاستئناف التجارية لكل قاض 479 ألفا و34 قضية ي كل من: محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ب 593 ألفا و11 قضية لكل قاض. محكمة الاستئناف التجارية بمراكش 422 ألفا و10 قضايا لكل قاض. محكمة الاستئناف التجارية بفاس ب331 ألفا و10 قضية لكل قاض. المحاكم التجارية والمسجل بها معدل 1423 قضية لكل قاض سنويا، فهذه الأرقام على التوالي هي المحكمة التجارية بالدار البيضاء 2597، طنجة1612، الرباط 984، أكادير 810، مراكش 698، وجدة 684، مكناس 646، ثم فاس 624 قضية لكل قاض. وبالتالي، فإن المحكمتين التجاريتين الاستئنافية والتجارية تمثلان على التوالي 58,61 في المائة، و59,76 في المائة من القضايا المعروضة على المحاكم التجارية بصفة عامة، ويصل معدل القضايا التي تنوب كل قاض إلى 3190 ألف و11 قضية. ويرى الأستاذ الأيسر أن قضاة المحاكم التجارية لا يتلقون أي تكوين أساسي متخصص في المادة التجارية، بل يلج هذا النوع من القضاء عبر التعيين بالمحكمة التجارية على إثر النجاح في مباراة الملحقين القضائيين، وقضاء مدة سنتين من التدريب بالمعهد العالي للقضاء، و المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف والنجاح في امتحان نهاية التدريبة، ويمكن الالتحاق بالمحكمة التجارية بعد قضاء فترة من العمل بمحاكم أخرى. صعوبات تنفيد الأحكام أكد الأستاذ الأيسر على وجود تذبذب في نسبة تنفيذ الأحكام القضائية بصفة عامة في قراءة له لحصيلة تنفيد الأحكام القضائية بالمحاكم التجارية ما بين 2006 و2012، إذ انتقلت نسبة التنفيذ من 56,83 في المائة سنة 2006 إلى 70,10 في المائة سنة 2007، ثم 75,99 في المائة سنة 2008، ثم 70,10 في المائة سنة 1009، و63,28 في المائة سنة 2010، ثم 62,67 في المائة سنة 2011، ثم 58,48 في المائة سنة 2012. ويرى «الأيسر» أنه انطلاقا من الأهمية القصوى للتنفيذ باعتباره مركز الثقل في العملية القضائية لكونه الخلاصة المرجوة من عملية التقاضي ومن صدور الأحكام، فإن بلوغ الغاية ليس بالأمر الهين، ولا يرجع فقط لفعالية الجهاز القضائي. وحدد «الأيسر» مجموعة من المعوقات التي يعرفها تنفيذ الأحكام، من قبيل سلوك المساطر الفرعية والكيدية لعرقلة التنفيذ مثل استحقاق المنقولات المحجوزة بتواطؤ مع المنفذ عليهم، مع شمول هذه المساطر بحق الطعن بالاستئناف، وعدم وضوح منطوق بعض الأحكام باستعمال عبارات عامة كإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو عدم تحديد الحدود في العقارات. وطرح «الأيسر» مسألة اللجوء إلى المهلة الاسترحامية الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى مصدر لإفراغ عملية التنفيذ من محتواها إما لربح الوقت، أو لاستصدار قرار استئنافي يقضي بإيقافها أو تأخير عملية التنفيذ حتى يتمكن المنفذ عليه من إخلاء المحل موضوع التنفيذ من شواغله التي يمكن حجزها، وإما بخلق صعوبات كإسكان الغير بالمحل موضوع الإفراغ. وأكد «الأيسر» أن المشاكل المرتبطة بالتبليغ أصبحت تلعب دورا لا يستهان به في عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية إذ أن كثيرا من ملفات التنفيذ يتم حفظها مؤقتا بعلة كون المحل مغلقا، أو لا يتم التبليغ للمعني شخصيا، أو أن العنوان لا يخص المنفذ عليه، أو لم يتم التنفيذ لعدم توصل المنفذ عليه لحضور التنفيذ، بالإضافة إلى نقص في أعداد أعوان التنفيذ، والمفوضين القضائيين بكثير من محاكم المملكة، وكذا ضعف وسائل العمل ببعضها خصوصا وسائل النقل وعدم التوفر على قاعة للبيوعات، وضعف مراقبة عمل المفوضين القضائيين واسترجاع الملفات المنفذة. وكشف «الأيسر» إشكالية ضعف وسائل الإشهار وعدم فعاليتها في تعميم وإشهار البيوعات، وعدم توظيف المعلوميات، وصعوبة تدبير الإنابات القضائية وتأخرها، رغم توجيه التذكير فيها لأكثر من مرة دون الجواب عن مآلها، وعجز المتقاضين في المناطق البدوية والفقيرة عن أداء مصادر التنفيذ من قبيل مصاريف التنقل والخبرات، أو إهمالها في أحيان أخرى. وأثار «الأيسر» إشكالية انعدام أماكن لحفظ المحجوزات، والإشكاليات المثارة بخصوص مساطر البيع بالمزاد العلني، وعدم حضور المتزايدين لأكثر من ثلاث مرات متتالية أو عدم كفاية العروض، بالإضافة إلى صعوبة المؤازرة بالقوة العمومية وتعقد إجراءاتها بدعوى الحفاظ على النظام العام الذي أصبح مفهوما فضفاضا. الإشكالات القانونية والعملية للقضاء التجاري حدد الأستاذ الأيسر مجموعة من الإشكاليات التي تشكل عائقا أمام رفع مستوى مردودية المحاكم التجارية، ففيما يتعلق بالاختصاص النوعي سجل «الأيسر» التضارب الحاصل بين المحاكم التجارية حول ما إذا كان الاختصاص النوعي من النظام العام، تثيره المحكمة تلقائيا شأنه في ذلك شأن الاختصاص المسند إلى المحاكم الإدارية أم ليس من النظام العام، بالإضافة إلى البت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي بحكم مستقل، حيث أصبح حسب المتحدث نفسه هذا الدفع يستعمل مطية لإطالة أمد النزاع، ويثار حتى في القضايا التي يظهر فيها اختصاص المحاكم التجارية جليا، وخصوصا أن الحكم الصادر في الاختصاص من طرف المحكمة التجارية يقبل الاستئناف أمام محكمة الاستئناف التجارية، إذ تعلق الدفع بعدم الاختصاص لفائدة المحكمة الابتدائية أما إذا كان هذا الدفع لفائدة المحكمة الادارية فالجهة المختصة بالنظر في الاستئناف هي الغرفة الادارية لدى محكمة النقض. وتوقف «الأيسر» فيما يتعلق بالاختصاص القيمي، عند إشكالية إثقال كاهل المحاكم التجارية ببعض النزاعات التجارية البسيطة، وهو الشيء الذي أدى بها بحسبه في بداية عملها إلى التأخر والبطء في فض النزاعات التجارية المعروضة عليها، مما دفع بالمشرع إلى تعديل نص المادة السادسة من قانون إحداث المحاكم التجارية، حيث حصر اختصاصها القيمي بالنظر في الطلبات الأصلية التي تتجاوز قيمتها 20 ألف درهم كما تختص بالنظر في جميع الطلبات المقابلة أو طلبات المقاصة مهما كانت قيمتها. القواعد الإجرائية تعاني المحاكم التجارية من إشكالية عدم تطبيق المسطرة الكتابية، وذلك في نسبة هامة من الملفات التي تروج بالجلسات بسبب مشكل التبليغ سواء داخل دائرة المحكمة أو خارجها أو التبليغ خارج المملكة، بالإضافة إلى عدم احترام الآجال المحددة في المساطر الخاصة. -وحسب الأستاذ الأيسر- فعلى سبيل المثال المادة 113 من مدونة التجارة التي تنص على أن دعوى بيع الأصل التجاري يصدر فيها الحكم خلال 15 يوما التي تلي أول جلسة، وأن محكمة الاستئناف تصدر قرارها خلال 30 يوما دون أن تحدد المادة المذكورة تاريخ انطلاق هذا الأجل، وقياسا على ما قرره بالنسبة لمحكمة الدرجة الأولى يصدر قرار محكمة الاستئناف خلال 30 يوما التالية لأول جلسة. واقترح الأستاذ الأيسر ضرورة إعادة النظر في مؤسسة القيم، وذلك بتحديد كيفية ممارسة إجراءاتها بكيفية دقيقة، وفي آجال محددة وترتيب الجزاء عن عدم احترامها، كما سجل إشكالية التبليغ بواسطة المفوضين القضائيين، فالمفوض القضائي يعين بدائرة المحكمة الابتدائية، علما أن شساعة الدوائر القضائية للمحاكم التجارية يطرح إشكالا بخصوص حدود ونطاق عمل المفوض القضائي حين تعيينه من طرف المحكمة التجارية وهل بإمكانه العمل خارج دائرة المحكمة المعين بها؟ وعرج «الأيسر» إلى مؤسسة الرئيس موضحا أن رؤساء المحاكم التجارية يمارسون مهام قاضي المستعجلات طبقا للمادة 21 من قانون إحداث المحاكم التجارية، ومقتضيات قانون المسطرة المدنية، وخاصة المادتين 148 و149، كما يمارسون هذه المهام بمقتضى نصوص خاصة (مدونة التجارة، قوانين الشركات، قانون الملكية الصناعية..)، ويمارسون مهام أخرى بوصفهم رؤساء المحاكم، أي بصفتهم تلك وفق الصيغة المتداولة في هذا الشأن، ومثال ذلك الاختصاصات المتعلقة بالتحكيم التجاري والسجل التجاري. واستدرك المتحدث نفسه، مشيرا إلى أنه يثار الإشكال بخصوص الاختصاصات الموكولة لرئيس المحكمة، والتي يبت فيها بهذه الصفة لكون المشرع لم يوليها أي اهتمام، وهو ما أدى إلى ظهور اتجاهين، الأول يمارس كل هذه الاختصاصات في إطار الأوامر المبنية على طلب، و الثاني يحصر الأوامر المبنية على طلب في الإجراءات الوقتية التي لا تمس حقوق الأطراف، أو تلك التي تقتضي مباغتة. ومن مظاهر الخلل حسب المتحدث سماح المشرع للأطراف الاتفاق على المحكمة المختصة محليا بما في ذلك الإجراءات الوقتية، وهو ما يتعارض وخصوصيات هذه الإجراءات التي تقضي أن ينحصر الاختصاص بشأنها لرئيس المحكمة الذي يوجد بدائرة نفوذ محكمة هذا الإجراء. هذا وقد حدد المشرع آجالا للإجراءات بهدف جعل الممارسة القضائية داخل المحاكم التجارية تساير حركية التجارة و الأعمال، غير أن ذلك يصطدم -حسب الأيسر- بصعوبة احترام هذه الآجال (خاصة آجال تحقيق الدعوى)، نظرا لإشكالية التبليغ، وتوصل الأطراف، إذ يتعذر في الكثير من الأحيان توصلهم خاصة الطرف المدعى عليه، أو المستأنف عليه مما يظل معه الملف راكدا لعدم التوصل، كما أن البت دون التوصل من شأنه المس بحقوق الدفاع. محدودية النيابة العامة أثار «الأيسر»مسألة محدودية دور النيابة العامة في الرقابة على المساطر الجماعية، مشيرا إلى حرمان النيابة العامة من أداء وظيفتها الطبيعية المتمثلة أساسا في تحريك الدعوى العمومية، وتتبع إجراءاتها ومراقبة الأحكام الصادرة بشأنها بممارسة حق الطعن فيها بالاستئناف. وطرح «الأيسر» مسألة تغييب دور النيابة العامة في هذه المرحلة فيما يتعلق بالمساعدة على تحصيل المعلومات التي من شأنها إعطاء نظرة واضحة على الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية للمقاولة. وخلال مرحلة المعالجة، يرى «الأيسر» أن القضاء التجاري يسير في اتجاه تحجيم دورها، وتقليصه إلى مجرد ملتمسات وطلبات، يستجيب لبعضها ويرفض البعض الآخر بالرغم من أن النيابة العامة مكلفة بالدفاع عن الحق العام وممثلة له، كما يظهر تغييب النيابة العامة في مراقبة أجهزة المساطر الجماعية وخاصة جهاز السنديك، هذا الجهاز الذي ينبغي تأطيره وتأهيله تكوينا، وأداء وتقويما، لأنه تسند إليه مهام خطيرة تصل إلى حد التسيير المطلق للمقاولة الخاضعة للمعالجة. وتعرف المحاكم التجارية إشكالية الاختلاف فيما يتعلق بالوثائق المدلى بها أمام مصالح السجل التجاري، بالإضافة إلى الإشكاليات المرتبطة بالحفظ، إيداع القوائم التركيبية، ثم إشكالية عدم اتساع الفضاءات المخصصة لاستقبال الوافدين على شعبة السجل التجاري، وإشكالية صعوبة الحصول على السجلات الخاصة بشعبة السجل التجاري وخاصة السجلات التحليلية، وإشكالية قلة الموارد البشرية بالسجل التجاري، والإشكاليات المرتبطة بعلاقة المحاكم بالمراكز الجهوية للاستثمار ثم ضعف التكوين.