مع توالي العمليات العسكرية الفرنسية بدعم إفريقي وغطاء أممي بمالي، واشتداد المعارك في الشمال ودخولها مرحلة المواجهة غير المباشرة، بإعلان القوات تقدمها في المدن التي يسيطر عليها المقاتلون المتشددون منذ أبريل من السنة الماضية، وحديث الجانب الآخر عن إلحاقه هزائم تلو الهزائم ب «الغازين» من خلال ضربات خاطفة. وبعيدا عن ما يدور على الأرض، عرفت الأسابيع الأخيرة تدفقا كبيرا للاجئين هربا من العمليات المسلحة التي بدأها الجيش المالي بدعم من القوات الفرنسية مصحوبة بغطاء جوي من سلاح الجو، ويتوقع مراقبون، ظهور حركات نزوح جديدة في الأيام المقبلة، في الوقت الذي تعترف اللجنة الدولية والصليب الأحمر المالي بأنها لم تستطع الوصول إلى كافة مناطق اللجوء، وتؤكد عدم معرفتها للعدد الحقيقي للنازحين، في ظل أنباء من الداخل تفيد ترك بعض الأسر منازلها بحثا عن ملاذ أكثر آمانا، قبل أن تعود إليها وتغادرها. في سياق ذلك، كشفت وكالة الأنباء الموريتانية أمس، استضافة موريتانيا أكثر من 60 ألف لاجئ من الشمال المالي يقيمون في مخيم «امبرة» شرقي البلاد، وتفيد بعض المعلومات المقلقة بحركات نزوح سكانية كبيرة في مناطق «غاو»و»كيدال» و»تومبوكتو» الواقعة في شمال البلاد، وقد يترك هؤلاء السكان المراكز الحضرية خوفاً من اقتراب القتال. ادريس لكريني مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، قال في تصريح ل»التجديد»، إن الوضعية في مالي جد معقدة، وأضاف أن أي نزاع بهذا الشكل من الطبيعي أن تكون له تداعيات إنسانية خطيرة لأن المتضرر هو الإنسان سواء على مستوى اللجوء أو استهداف الأرواح، وأكد المتحدث، أن هناك مجموعة من المعطيات تجعل أزمة مالي ذات طبيعة إنسانية؛ أولا، أن الأمر يتعلق بنزاع داخلي كشكل من النزاعات التي ظهرت بشكل كبير مع مطلع التسعينات نتيجة الصراع على السلطة وتداخل ما هو إثني وعرقي وقبلي، ثانيا، وجود عسكريين يسيطرون على السلطة وفصائل متعددة بعضها يرتبط بتنظيم القاعدة والآخر بجماعات إسلامية داخلية، ثالثا، وجود جنسيات مختلفة سواء في جانب المقاتلين الإسلاميين المتطرفين أو في صف القوات العسكرية التي تهدف إلى استرجاع الأراضي المالية، فضلا عن دخول الطرف الإقليمي والدولي على خط النزاع. وأوضح لكريني، أن تداخل الداخلي بالإقليمي والدولي ودخول جنسيات مختلفة على خط المواجهة يعقد المسألة أكثر ويجعل الضحايا أكبر، لأن هذا الشكل من النزاع يكون على السلطة وتتحكم فيه خلفيات مختلفة، مبرزا اختلاف هذا النزاع عن المواجهات العسكرية النظامية التي تتحمل فيها الدول مسؤولية احترام قوانين الحروب مثل احترام المدنيين وإحالة جرائم الحرب على محكمة الجنايات الدولية في حالة تورط أي طرف. من جهة أخرى، لفت المتحدث، إلى أن الفصائل المتشددة تتشكل بشكل غير شرعي وتتبنى خيار العنف في وسائلها، وأن التدخل الدولي والإقليمي ينعشها ويجعله مبررا لعملياتها، كما أشار إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءا باستحضار أن المنطقة تعيش على إيقاع الفقر والبطالة وإكراهات اجتماعية، إلى جانب ضعف الدولة المركزية في حماية الممتلكات. يذكر، أن المتشددون الإسلاميون أحكموا سيطرتهم على ثلثي شمال مالي على خلفية الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الرئيس المنتخب أمادو توماني توري وانسحاب الجيش النظامي من أراضي الشمال في أبريل الماضي، ومنذ ذلك الوقت تنامت مخاوف الغرب ودول الجوار من نتائج سيطرة الجماعات الجهادية والانفصالية على الأراضي المالية، قبل أن تبدأ القوات الفرنسية عملياتها الجوية. وتعد حركة «أنصار الدين» وهي حركة إسلامية من الطوارق أهم التنظيمات التي تسيطر على أجزاء من شمال مالي، إلى جانب حركة «تحرير أزواد» التي تمثل بدورها طوارق شمال مالي لكنها تتبنى خطا علمانيا كمبدأ للدولة، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة «التوحيد والجهاد» المنشقة عنه.