هناك أمور تعين على الصبر واحتمال الأذى، منها: معرفة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام فيها. ومعرفة الإنسان أنه ملكُ لله -تعالى- أولا وأخيرًا، وأن مصيره إلى الله تعالى. والتيقن بحسن الجزاء عند الله، وأن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله، قال تعالى:"وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" سورة النحل:96. واليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرًا، وأن ما وعد الله به المبتلِين من الجزاء لابد أن يتحقق. قال تعالى: "فإن مع العسر يسرا، ان مع العسر يسرا" سورة الشرح:5-6. كما أن الاستعانة بالله واللجوء إلى حماه، حيث يشعر المسلم الصابر بأن الله معه، وأنه في رعايته. قال الله -تعالى-: "واصبروا ان الله مع الصابرين" سورة الأنفال:47 . والاقتداء بأهل الصبر والعزائم، والتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان البلاء والشدائد، وبخاصة أنبياء الله ورسله. والإيمان بقدر الله، وأن قضاءه نافذ لا محالة، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: " ما اصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير، لكيلا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور "سورة الحديد: 21-22 والابتعاد عن الاستعجال والغضب وشدة الحزن والضيق واليأس من رحمة الله؛ لأن كل ذلك يضعف من الصبر والمثابرة. قصة تحمُّل مصعب بن عمير رضي الله عنه الشدائد: أخرج ابن سعد عن محمد العبدري عن أبيه قال : كان مصعب بن عمير فتى مكة شبابا وجمالا وسبيبا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه مليئة : كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذْكُره ويقول: "ما رأيت بمكة أحدا أحسن لمّة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير" فبلغه أن رسول الله يدعو إلى الإسلام في دار أرقم بن الأرقم فدخل عليه فأسلم وصدّق به وخرج فكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرا فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر أمه وقومه، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا فرجع متغير الحال قد حرج يعني -غلظ – فكفت أمه عنه من العذل. الصبر عند الصدمة الأولى: ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "اتقي الله واصبري". فقالت المرأة: إليك عني، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي. فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(متفق عليه). أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة. الصبر صفة لازمة لمن أراد المعالي وهو يورث صاحبه درجة الإمامة كما روى ابن القيم عن ابن تيمية قوله: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. ثم تلا قوله تعالى: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"سورة السجدة:24