بعد أن شهدت السنة المنصرمة أحداث إساءات متكررة في حق الإسلام، وتميزت بتصاعد مقلق في الأنشطة المتطرفة المعادية للمسلمين في أوروبا وأمريكا، أعلنت مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة مجددا مع مطلع السنة الجديدة، أنها تعتزم في هذا اليوم نشر عدد جديد من المجلة يتضمن رسومات كاريكاتورية تروي «سيرة النبي محمد»، وتستند هذه الرسومات في مضامينها إلى كتابات بيوغرافية لكاتبة مسلمة ذات جنسية مزدوجة (مغربية فرنسية). وفي الوقت الذي أكد مدير المجلة التي نشرت مرارا رسومات مسيئة لخير البرية في تصريح صحفي، أن الرسوم الكاريكاتورية ليست مهينة للمسلمين، بدأت حملة الإدانة من مسؤول سياسي بتركيا من منطلق أن تحويل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى شخصية في رسوم كاريكاتورية خطأ بحد ذاته، ناهيك عن مخاوف من مضمون تلك الرسومات، إذ اعتبر المستشار السياسي لرئيس الوزراء التركي إبراهيم كالين على حسابه على «تويتر»، أن نشر الرسوم «استفزاز جديد» داعيا المسلمين إلى تجاهله. وهو ما ذهب إليه محمد زهير أستاذ مقارنة الأديان بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بقوله في تصريح ل»التجديد»، إن نشر الرسومات «استفزاز» يرمي إلى إثارة شيء ما، وعدم إيلائها أي اهتمام أمر مطلوب، داعيا المسلمين أن تكون ردود أفعالهم حضارية وعلمية بخلاف الردود السابقة، ومطالبا بضرورة تفعيل الترسانة القانونية الأممية التي تنص على عدم ازدراء الأديان. ويطرح عدم عدول المجلة الساخرة عن نشرها للرسومات المسيئة؛ تساؤلات عن تجاهل الدول لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعنوان «مناهضة تشويه الأديان»، الذي صودق عليه في جلسة عامة في 21 دجنبر 2010، حيث ينص في فقرته الثالثة، على أن الجمعية العامة تعرب عن استيائها الشديد إزاء استهداف الكتب المقدسة والمواقع المقدسة والرموز الدينية لجميع الأديان وانتهاك حرمتها. ويعبر في الفقرة (9) عن استياء الجمعية من استخدام وسائط الإعلام المطبوعة والسمعية والبصرية والإلكترونية، بما فيها الانترنت وأي وسيلة أخرى للتحريض على أعمال العنف أو كراهية الأجانب أو ما يتصل بذلك من تعصب وتمييز ضد أي دين واستهداف الكتب المقدسة وأماكن العبادة، والرموز الدينية لجميع الأديان وانتهاك حرمتها. ويؤكد في الفقرة (11) على أن التوصية الخامسة عشرة للجنة القضاء على التمييز العنصري التي نصت على أن حظر نشر جميع الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية ينسجم مع حرية الرأي والتعبير، تنطبق بالمثل على مسألة التحريض على الكراهية الدينية. ويدعو في الفقرة (22) جميع الدول إلى بذل قصارى جهدها وفقا لتشريعاتها الوطنية، إلى ضمان احترام الرموز الدينية واتخاذ التدابير الإضافية في الحالات التي تكون فيها عرضة لانتهاك حرمتها، ويرحب في الفقرة (19) بكل الدول الأعضاء بالأممالمتحدة التي سنت تشريعات لمنع الحط من شأن الأديان ومنع عرض صور نمطية سلبية للمجموعات الدينية. محمد العمراني بوخبزة أستاذ العلاقات الدولية، قال إن تفعيل القرار الأممي يرتبط ب»تأويله الصحيح» من طرف دول تتباين في مواقفها من الدين، مضيفا في تصريح ل»التجديد»، أنه من الصعب استقراء المقتضى من طرف الدول العلمانية التي لا تحمي الاعتبارات الدينية كما تحمي الحقوق والحريات، والأنظمة اللبيرالية التي تجعل حرية التعبير للأفراد أولوية على باقي الحقوق الأخرى، وأبرز المتحدث، أن هذه الإساءات سواء من المجلة الفرنسية أو غيرها تستهدف الدين أمام الحضور القوي للجاليات المسلمة وارتفاع عدد معتنقي الإسلام في المجتمعات الأوروبية، تحت ما يسمى «أسلمة أوروبا». ولم يخف بوخبزة مخاوفه من انتقال الإساءة إلى الإسلام وخير البرية من سلوكات فردية إلى فعل منظم وقناعات تضرب عرض الحائط بالتشريعات في هذا المجال. وفضلا عن القرار الأممي، رصد المعهد الأمريكي للدراسات الخاصة بالانتقادات المتعلقة بحرية الأديان في تقريره السنوي أصدره أول أمس، أن 94 دولة من بين 198 دولة حول العالم -بما يمثل 47 في المائة- لديها قوانين تعاقب ازدراء الأديان، وأشار التقرير، أن 80 في المائة من دول أوروبا لديها نصوص مرتبطة بازدراء الأديان، وأن 16 في المائة من الدول لديها قانون بهذا الشأن. وتسعى منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة تمرير قانون ازدراء الأديان لدى الأممالمتحدة، خاصة أن 84 في المائة من ساكنة العالم يعتنقون الأديان السماوية وغير السماوية، لكنها تصطدم بالدول الغربية التى تعترض عليه بدعوى أنه يحد من حرية التعبير. يذكر، أن المجلة الفرنسية الساخرة، سبق أن اختارت النبي محمد في 31 أكتوبر 2011 ليكون «رئيس تحرير» عددها المقبل احتفالا بفوز حزب إسلامي بالانتخابات في تونس، وأصدرت في 2 نونبر عددا سمته «شريعة إبدو» بعد أن قال مصطفى عبد الجليل زعيم الفترة الانتقالية بليبيا، إن الشريعة الإسلامية ستكون أساس التشريع في ظل النظام الجديد للبلاد، ووضعت صورا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على غلافها. وكررت المجلة الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في 19 شتنبر 2012 من خلال نشر رسوم كاريكاتورية