(( أجرى الصحافي مارك توماس من مجلة شونيز مؤخرا حوارا مع نوام تشومسكي العالم اللغوي الأمريكي و المفكر السياسي المعروف و دار الحوار بشكل رئيسي حول طبيعة السياسة الأمريكية الخارجية و علاقتها بالداخل الأمريكي . و هذا نص الحوار المترجم )) الجزء الثاني - فيما يخص الحملة ضد تجارة الأسلحة , إلى أي مدى ترى أن اكبر آلة عسكرية منتجة للسلاح و هي أمريكا تحتاج للحرب لتسويق منتجاتها ؟ - يجب عليك أولا أن تفهم أن ما تسميه الصناعة العسكرية هي حقيقة الصناعة العالية التقنية . فقد تحول الجيش إلى مجرد غطاء لحصص الدولة في الاقتصاد . و في المعهد الذي أتواجد أنا فيه حاليا و هو معهد ماساشوسيش للتكنلوجيا يعلم الكل هذا الأمر باستثناء البعض . الكل يعلم هذا لان الكل يعلم من أين يحصلون على رواتبهم . المال يأتي مثلا إلى أماكن كهذا المعهد تحت غطاء عسكري لإنتاج الجيل الجديد من الأجهزة ذات التقنية المتقدمة جدا . و لو تمعنت اكثر في المسالة لوجدت مثلا أن ما يسمى بالاقتصاد الحديث كأجهزة الكومبيوتر و الإنترنت و غيرها هي تأتي مباشرة من مثل هذه المعاهد تحت غطاء عقود اتحادية للبحث و التطوير و تحت مسمى الإنتاج العسكري و بعد هذا تسلم هذه المنتجات إلى شركات ك ABM . و في المناطق المجاورة لنا كان هذا المعهد يملك في الماضي بعض شركات الإلكترونيات و اليوم هو يملك شركات للتقنية الحيوية . و السبب بالطبع هو أن ميزانيات ضخمة سوف تركز على مجال علم الأحياء . و هذا يعني أن الدعم الحكومي في هذا المجال سيرتفع بشكل سريع . و لو أردت اليوم مثلا أن تبدأ مشروعا ما فاقرب الطرق لتحصيل مبالغ خيالية هي شركات الهندسة الوراثية و التقنية الحيوية و ما يرتبط بهذا المجال بشكل عام . و هذا ما يجعل ديناميكية الاقتصاد تنشط باستمرار . و يمكننا أن نستخلص مثلا أن أهم الأسباب التي تدفع أمريكا للسيطرة على النفط هو ضمان عودة أرباح الدول المصدرة للنفط إليها . فالأمر ليس متعلقا فقط بالنفط وحده بل أيضا بمبيعات السلاح . و نلاحظ هنا أن اكبر دولة مستوردة للسلاح الأمريكي هي المملكة السعودية و هي دولة نفطية غنية . هي تحصل على السلاح بدون فائدة فيما الأرباح تنعش صناعات التكنولوجيا المتقدمة في الولاياتالمتحدة . فالمال يرجع في النهاية إلى الخزينة الأمريكية و هذا يشكل دفعة قوية للاقتصاد الأمريكي و الشيء نفسه يمكن أن يقال عن بريطانيا . و لا أعلم إذا كنت قد اطلعت على بعض السجلات التاريخية , ففي سنة 1958 و حين أنهى العراق السيطرة الأنغلو أمريكية على صادرات النفط فجن جنون البريطانيين . و كانت بريطانيا وقتها في أمس الحاجة للنفط فشددت بالمقابل قبضتها على النفط الكويتي . حيث كانت تحتاج لدولارات النفط لتنعش اقتصادها المنهك بعد الحرب العالمية الثانية . و خشية من أن تتكرر في الكويت ما حصل في العراق بدا الحديث عن سيادة كويتية على تلك المنطقة التي كانت ما تزال وقتها مستعمرة بريطانية و جاء الدعم أيضا من الولاياتالمتحدة . و قالت بريطانيا وقتها انه في حالة حدوث أي تهديد سوف نتدخل بسرعة للحفاظ على أمن البلاد ووافقتها الولاياتالمتحدة أيضا على ذلك . و بالطبع طبقت نفس المقولة على السعودية و الإمارات . - هل صحيح ما نسمعه كثيرا عن اتجاه أمريكي للسيطرة على أوروبا و الحزام الباسيفيكي ؟ - بالتأكيد , فكما قال السياسي المحنك جورج كينين بأن السيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط سوف يمنح أمريكا ما سماه " سلطة فيتو جديدة " على بقية الدول . و ربما هو يشير هنا بصفة خاصة إلى اليابان . فاليابانيون اليوم يحاولون بقوة و قد نجحوا إلى حد ما في إقامة علاقات مع دول نفطية كإيران و إندونيسيا و غيرها حتى تتخلص من النظام الغربي المهيمن على صادرات النفط العالمية. و حقيقة كان من أهم أهداف خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية هو نقل أوروبا و اليابان من الاعتماد على الفحم إلى الاعتماد على النفط . فقد كانت كل من أوروبا و اليابان تملكان كميات ضخمة من مصادر الفحم و لكنهما تحولا إلى النفط ليفسحا المجال أمام السيطرة الأمريكية . فقد خصصت خطة مارشال تقريبا مبلغ بليوني دولار من 13 بليون دولار لدعم شركات النفط لتغطي احتياجات أوروبا و اليابان لتصبح اقتصاديات معتمدة كليا على النفط . و بالطبع إذا أردت أن تفرض سيطرتك فيجب عليك أن تهيمن على النفط لأنه أهم مصدر للقوة و سيبقى كذلك لأجيال قادمة . و سبق مثلا لمجلس المخابرات الوطنية و هو عبارة عن منظمة لمجموعة من وكالات الاستخبارات المختلفة أن نشر تقارير كثيرة جمعها في تقرير ضخم سمي ب " global trend 2015 " . و توقع التقرير أن الإرهاب سيزداد بسبب العولمة و قالوا أيضا أن العولمة سوف تتسبب في هوة اقتصادية هائلة بين الشمال و الجنوب و هذا عكس نظريات المدافعين عن العولمة . و كنتيجة لهذا سوف يحدث هناك خلل كبير في النظام الدولي و زيادة كبيرة في العنف و العداء الذي سيوجه خصوصا ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية . و توقعوا أيضا أن أهمية النفط في بحر قزوين بالنسبة للطاقة في العالم و للأنظمة الاقتصادية سوف ترتفع بشكل ملحوظ إلا أن الولاياتالمتحدة لن تعتمد عليه كثيرا . و لكن يجب أن تسيطر عليه لان هذا سيقوي من قبضتها على العالم . - هل تعتقد بأن النشاطات المعادية للحرب شبيهة بما كان يحدث خلال حرب فيتنام ؟ و ما الذي سنستفيده كشعوب من خلال المشاركة الفعالة في هذه الأنشطة ؟ و هل تعتقد بان هناك إمكانية ما لوقف الحرب ؟ - أعتقد بان ذلك صعب لان التوقيت لم يعد في صالحنا . لكن يمكن أن نجعلها مكلفة جدا لهم و هذا مهم . فحتى لو لم تستطع وقف هذه الحرب فقد تجعلها مكلفة بشكل تمنع به قيام حرب أخرى . و إذا ما قارنا هذه الأنشطة بما كان يحدث خلال حرب فيتنام فهذه الأنشطة متقدمة جدا عليها . الناس اليوم يتكلمون عن فيتنام و لكنهم يجهلون ما حصل وقتها . فالحرب في فيتنام بدأت سنة 1962 بهجوم جوي و ارضي و كيماوي على جنوب فيتنام و لكن لم نسمع وقتها أية احتجاجات على ذلك . و أول احتجاج ضد الحرب جاء بعد أربع أو خمس سنوات من قيامها و لكنه كان رد فعل ضد قصف الشمال و ليس الجنوب الذي لم نسمع اية احتجاج على قصفه . أما اليوم فهناك مظاهرات ضد الحرب قبل بدايتها و لا اذكر انه سبق و شهدت أوروبا أو أمريكا أية شكل من المظاهرات قبل حروبهما السابقة . لكننا اليوم بالفعل أمام ظاهرة جديدة سوف تشكل وعيا و ثقافة جديدة جاءت كنتيجة لتطورات عديدة شهدتها الدول الغربية خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية. - يبدو واضحا اليوم انه كلما انفجرت المظاهرات و ارتفعت حدتها ارتفعت أيضا حدة المواجهات مع السلطة ؟ - بالطبع فكلما تزايدت المظاهرات يتزايد معها عنف السلطات و هذا شيء روتيني . فمثلا حين بدأت المظاهرات ضد حرب فيتنام بدأ معها القمع شيئا فشيئا . و أنا نفسي كنت على وشك دخول السجن لمدة طويلة وقتها إلا أن قيامهم فيما بعد بإلغاء المحاكمات أنقذنا من دخول السجن . و لا تستغرب فقد تتطور الأمور بحيث يجد البعض نفسه في خليج غوانتنامو و هذا شيء اعتقد انه يقلق الكثيرين . إذا ما كان هناك احتجاج في أية دولة فسيواجه بعنف سلطوي شديد , لكن هل يسيطرون على الوضع بشكل نهائي ؟ هذا مرتبط بدرجة ردة فعل المحتجين . فمثلا حين سيطرت الماكارتية خلال الخمسينيات نجحت لأنها لم تواجه بأي شكل من أشكال المقاومة . و لكن حين حاولوا تكرارها خلال الستينات فشلوا لان الناس هذه المرة سخروا منها . حتى الديكتاتوريات لا يمكنهم عمل كل ما يشاءون فلابد لهم من دعم شعبي و لو قليل . و لكن في دول ديمقراطية الأمر مختلف كثيرا حيث النظام يصبح ضعيفا جدا إذا ما أراد حجب الحقيقة عن الناس . إذا فالسؤال الحقيقي يجب أن يركز على حجم المقاومة الشعبية التي يجب أن تسيطر في المستقبل القريب . ترجمة : حميد نعمان مارك توماس شونيز