من الناحية الواقعية إن فكر المشاركة يفرض نفسه على كل عامل مخلص لدين الله تعالى، فأعمال الإسلام كثيرة والموارد البشرية والمادية لإنجازها قليلة بالمقارنة مع ما هو مطلوب، وبالمقارنة كذلك مع ما تفرضه جبهة الفساد والإفساد من تحديات مستمرة تكاد تنهك الدعاة إلى الله والمصلحين لولا إعانة الله تعالى وتوفيقه ثم تعاون العاملين وتآزرهم. وقد دعا موسى عليه السلام ربه حين بعثه إلى فرعون رسولا فقال: "واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا"سورة طه:29 35. هناك منطقان يميزان الخطاب الإسلامي المعاصر فيما يتعلق بأسلوب التعامل مع المجتمع أفرادا ومؤسسات. المنطق الأول: منطق رافض لأي شكل من أشكال التعامل مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية القائمة على اعتبار أن في ذلك إقرارا بمفاسدها و تزكية لما قد يكون فيها من أوضاع غير متوافقة مع ما يريده الإسلام و على اعتبار أن في ذلك مساسا "بنظافة الداعية" و تلويثا لصورته عند الناس. أما المنطق الثاني: فهو منطق قائم على المشاركة و المدافعة أي على الإقرار بنصيب الخير الذي يوجد في المجتمع والعمل على توسيع دائرته ما أمكن، واحتمال المفاسد التي قد تترتب على هذه المشاركة مادامت مصلحتها أرجح في مجتمعات تعمل فيها قوى الإفساد و التخريب على سلخ الأمة مما تبقى فيها من هوية إسلامية و قيم أخلاقية و مثل فكرية ، و هذا يعني أنه بدل أن يعتزل الصالحون احتجاجا على فساد أحوال الأمة وجب أن يتقدموا و يخالطوا الناس في شؤونهم حتى يبقى وجودهم الصامد شهادة عملية على أن مبادئ و قيم الإسلام قادرة على أن تتحول إلى صور عملية ملموسة تحُدّ من سرعة انحدار المجتمع نحو الانحلال وتعمل على التمكين للإسلام من جديد بمخالطة فاعلة و إيجابية تساهم في خلق بيئة سليمة تسهل عملية الالتزام الفردي و الجماعي . أما من جهة الامتدادات النظرية لفكر المشاركة عند حركة التوحيد والإصلاح، لقد قامت هذه الاخيرة على هدى من الله و ابتغاء لوجهه و طلبا لمرضاته و خدمة لدينه بالأحسن و الأفضل ، لذلك اختارت أن لا تكون حركة طائفية مغلقة أو حركة نخبوية خاصة ، و إنما حركة مفتوحة متفتحة ، تندمج مع مجتمعها و تتفاعل معه و تعتبر نفسها منه و إليه ، تستفيد منه و تفيده و تأخذ منه و تعطيه ، فهي لذلك حركة: توحيد و إصلاح. توحيد الخالق سبحانه وتعالى و إتباع نهج يؤمن بضرورة التحاور والتشاور والتعاون والائتلاف بين المسلمين أهل التوحيد وأهل القبلة مهما كانت الاختلافات بينهم، وأما الإصلاح فهو إثبات لعناصر الخير والصلاح القائمة في الأمة وإقامة المفقود منها، وهذا التوحيد والإصلاح لا يتم إلا بمخالطة الناس والانفتاح على المجتمع، فمجالسة الناس ومعاملتهم تتيح آلاف الفرص لدعوتهم إلى الحق الذي بعث به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وبالعودة إلى هوية حركة التوحيد والإصلاح نجد أنها "حركة مغربية مفتوحة في وجه كل مسلم من أبناء هذا الوطن العزيز يريد أن يتعاون على التفقه في دينه والعمل به والدعوة إليه،... وهي حركة منفتحة تندمج مع مجتمعها وتتفاعل معه وتعتبر نفسها من هذا المجتمع وإليه، ..تستفيد منه وتفيده وتأخذ منه وتعطيه". وجاء في ورقة توجهات واختيارات التي أصدرتها الحركة في شهر سبتمبر من عام 2003 أن "حركة التوحيد والإصلاح حركة دعوية تربوية على منهاج أهل السنة والجماعة، تعمل في مجال الدعوة الإسلامية عقيدة وشريعة وقيما وآدابا، من أجل الالتزام بمقتضيات الإسلام وإقامة أركانه وأحكامه على صعيد الأفراد والمجتمع والدولة.