خطوة مهمة أن ينظم مجلس المستشارين يوما دراسيا حول تدبير اللغات ودسترة اللغة الأمازيغية، ويتيح الفرصة لمناقشة المسألة اللغوية في المغرب في ضوء الاستحقاقات الدستورية، ويدعو بعض المتخصصين خاصة في الفقه الدستوري لتداول دلالات النص الدستوري والإمكانات التأويلية التي يتيحها، ومناقشة الاستحقاقات التي تهم هذه القضية سواء منها ما يتعلق بحماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها أو بتقنين الطابع الرسمي للأمازيغية أو بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. بيد أنه بدلا من أن يتجه النقاش إلى هذه القضايا برمتها، ويتم البدء من حيث يجب البدء، أي من الرؤية الشمولية التي تؤطر المسألة اللغوية، تمت الانعطافة كلية إلى مناقشة تقنين الطابع الرسمي للأمازيغية، كما ولو كانت بقية العناصر المتضمنة في الدستور بشأن اللغة العربية والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب لا تحظى بأدنى اهتمام، فباستثناء تدخل الفقيه الدستوري، الأستاذ الشدادي، الذي ناقش المسألة اللغوية في الدستور نصا وتأويلا، اتجه النقاش في مجمله لمناقشة القضايا المرتبطة بالقانون التنظيمي المفعل للطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي الحياة العامة، إلى درجة أن بعض المتدخلين، فضلوا أن يتحدثوا باللغة الفرنسية في هذا النقاش، بل إن بعضهم صرح بأنه كتب مداخلته باللغة العربية، وأنه سيتحدث باللغة الفرنسية حتى يتمكن الجميع من فهمه! والواقع، أن هذا النقاش الذي اتجه هذا المتجه، يتطلب منا التوقف على أربع ملاحظات مهمة: 1 إن النص الدستوري يؤكد على أن اللغة العربية تظل اللغة الرسمية للبلاد، ويحمل الدولة مسؤولية حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، مما يعني أن النهوض باللغة العربية وإعادة الاعتبار لها، وإعطائها مكانتها الدستورية في الإدارة والحياة العامة، ينبغي أن تكون على رأس جدول أولويات ورش تدبير اللغات، وأن التبخيس من هذه الأولوية، بدعوى أن اللغة العربية قائمة، إنما هو التفاف على النص الدستوري، وعلى الاستحقاقات التي يطرحها، ذلك أن النص الدستوري لا يتحدث فقط عن وضعية اللغة العربية، وإنما يتحدث عن المهام التي تنتظر الدولة لتنميتها وتطويرها وتحسين استعمالها وإعادة الاعتبار لها كلغة للإدارة والحياة العامة بجميع مجالاتها. 2 إن النص الدستوري، يفتح ورشين أساسيين، الأول ورش كلي يرتبط بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سيضطلع بحماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، والثاني جزئي يرتبط بتقنين الطابع الرسمي للأمازيغية، فتقنين الطابع الرسمي للأمازيغية، مع أهميته، لا يكتسب طابع الاستقلالية عن الرؤية الكلية التي ينبغي أن تندرج فيها، أي عن الرؤية التي ستؤطر المسألة اللغوية بجميع عناصرها في المغرب بحسب الاستحقاقات التي يحددها الدستور. معنى ذلك، أن أي استباق للنقاش حول تقنين الطابع الرسمي للأمازيغية بمعزل عن هذه الرؤية، يعتبر بمثابة جعل الجزئي مرجعية للكلي، وهو الخطأ الذي ستكون كلفته باهظة لو تم البدء بحسم القانون التنظيمي المتعلق بتقنين الطابع الرسمي الأمازيغية وتأخير القانون التنظيمي المرتبط بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. 3 إن النص الدستوري، يعتبر أن الأمازيغية رصيدا مشتركا لجميع المغاربة من دون استثناء، مما يعني أن قضية تعلمها وإدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية تتطلب أن تكون شأنا عاما لا تختص به جهة مخصوصة، وأن القرارات الإدارية لاسيما منها ذات الأثر السلبي على الوظيفة المستقبلية للأمازيغية، يفترض أن تخضع للتقييم والمراجعة، بناء على مشترطات النص الدستوري. معنى ذلك، أنه ينبغي التمييز في قضية الحرف، بين مرحلة ما قبل الدستور، ومرحلة ما بعده، وأن النقاش ينبغي أن يكون مفتوحا على مصراعيه في هذا المجال، وذلك على قاعدة ما تتطلبه كون الأمازيغية رصيدا مشتركا لكل المغاربة بدون استثناء، وما يستتبعه، من إقرار حق المغاربة في تعلم اللغة الأمازيغية، وفي اختيار أيسر الطرق البيداغوجية لتحقيق هذا الهدف، وتقييم كل الخطوات التي تمت بخصوص اعتماد حرف تيفناغ. 4 إن اي ارتباك في تدبير المسألة اللغوية في المغرب، وأي إخلال بالتراتبية التي وضعها الدستور في هذه المسألة، بدءا من تفعيل الطابع الرسمي للغة العربية، واعتماد السياسات والإجراءات التي تضمن تطويرها وتنميتها وتحسين استعمالها وفي مقدمة ذلك إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية، ومرورا بتقنين الطابع الرسمي للأمازيغية، ثم تنمية وحماية التعبيرات الثقافية المغربية، وذلك ضمن رؤية شمولية مندمجة، إن اي ارتباك في هذا المسعى، بتقديم ما يلزم تأخيره، وتأخير ما يلزم تقديمه، تحت الضغط السياسي أو بسبب فقدان البوصلة، سيكون مكلفا بالنسبة إلى بلد يضع التحديات الكبرى التي تواجهه، ولا يجد خارطة الطريق الصحيحة لمواجهتها.