تحتل جرائم السكر العلني مركز الصدارة ضمن قضايا الجرائم المنظمة بمقتضى قوانين خاصة، خلال العشر سنوات الأخيرة (2002-2011)، وذلك بنسبة 57 بالمائة من مجموع الجرائم المسجلة، وبمعدل سنوي بلغ 58 ألف و655 قضية منذ سنة 2002، بينما حلت جرائم التعمير في المرتبة الثانية ب12 بالمائة، ثم جرائم المخالفات الغابوية بنسبة 13 بالمائة، تليها جرائم الهجرة السرية «ستة بالمائة»، ثم جرائم الغش في المواد الغذائية بنفس النسبة، وبلغ مجموع قضايا جريمة السكر العلني خلال العشر سنوات الأخيرة، ما مجموعه 586 ألف و549 قضية، ومنذ سنة 2006 أخذ هذا النوع من الجرائم يرتفع تدريجيا، وفق معطيات وزارة العدل والحريات، نشرت الجمعة الماضية بالتزامن مع انطلاق الندوة الجهوية الخامسة حول إصلاح منظومة العدالة، والتي خصصت لموضوع «تحديث السياسة الجنائية، وتطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة». أسباب الارتفاع تعتبر خديجة فرحي، أستاذ التعليم العالي بجامعة المحمدية، والمتخصصة في علم الإجرام، أن المعطيات الرسمية حول تنامي جرائم السكر العلني خلال العشر سنوات الأخيرة، عادية بالنظر إلى ثلاث مؤشرات تحدثت عنها فرحي في حديثها ل»التجديد»، وقالت فرحي «إن سهولة الحصول على الخمور من نقط البيع المنتشر بمختلف المدن والقرى المغربية، تؤدي إلى ارتفاع مظاهر السكر العلني». ومن المؤشرات التي سجلتها المتحدثة أيضا، «عدم فعالية القواعد القانونية للتجريم والعقاب على جرائم السكر العلني، المعتمدة في السياسة الجنائية للمغرب منذ عشرات السنين»، وأضافت قائلة، «ليس هناك تفعيل ولا عقوبة حقيقية، لدرجة أن السكر العلني أصبح شيء عادي وكأنه ليس بجريمة وغير معاقب عليه»، المؤشر الثالث تؤكد فرحي، «غياب الحزم ووجود تساهل من طرف المصالح الأمنية»، تضيف المتحدثة، « وكأن الجهات الأمنية لها أوامر للتساهل مع جرائم السكر العلني». هي مؤشرات تجعل المتخصصة في علم الإجرام تعتبر أنه من «الطبيعي أن تكون جرائم السكر العلني من أبرز الجرائم التي تشهدها المحاكم المغربية والمرتبطة بالجرائم التي تنظمها قوانين خاصة، لا يمكن أن يمر يوم دون أن نصادف حالة على الأقل لشخص في وضعية السكر العلني». وتلفت المتحدثة الانتباه إلى أنه، «وإن كان المشرع المغربي نظم بيع الخمور للأجانب فقط، فإن قراءة الأرقام المتعلقة بتجارة الخمور بالمغرب، تفيد أنها غير مخصصة فقط للأجانب، مع وجود حوالي 80 في المائة من المستهلكين مغاربة»، وتؤكد خديجة فرحي أيضا على «غياب الانضباط للسن القانونية لإمكانية اقتناء الخمور، إذ يباع الخمر في المتاجر الكبرى للقاصرين أيضا». الكلفة الاجتماعية الثقيلة يتصدر الخمر قائمة أسباب حوادث السير بالمغرب، وسبقت الإشارة للموضوع في أكثر من دراسة من بينها دراسة نشرتها سابقا أسبوعية «الحياة الاقتصادية»، وقالت بأن ما بين 3 بالمائة و11 بالمائة من الحوادث سببها السكر المفرط.وأضافت الدراسة إلى أن النسبة تتصاعد على الخصوص مع نهاية الأسبوع (السبت والأحد)، وخلال رأس السنة الميلادية حيث تستهلك كميات كبيرة من الخمور. كما أكدت ذات الدراسة أن الإصابة بالسرطان في صفوف المدمنين على التبغ والخمور، تصل إلى ما بين 65 % و95 % مقارنة مع غيرهم من غير المدمنين. واعتبر مولاي عمر بنحماد، نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، أن الحديث اليوم عن الخمر باعتباره أم الخبائث وآفة مجتمعية حاولت المجتمعات الغربية التي ليست لها خلفية إسلامية أن تجد لها حلا وحاول الأمريكيون أن يتخلصوا من آفة الخمر، ونشروا إعلانات كثيرة للحد من ظاهرة انتشار الخمور، يضيف بنحماد، «مع الأسف الشديد كنا نتمنى أن نكون في منجاة من هذه الآفة بمرجعيتنا الإسلامية وأخلاقنا وقيمنا، ولكن واضح أن هذه القيم تستهدف بشكل ممنهج، في ظل حرص مجلات عديدة على نشر إشهارات للخمور ضد كل القيم والأعراف والقوانين، بينما لا استجابة للوقفات الاحتجاجية ضد اختراق متاجر بيع الخمور للأحياء السكنية»، وتمنى بنحماد أن تكون مناسبة الكشف عن المعطيات المرتبطة بتنامي جرائم السكر العلني، «محطة فعلا للتأمل في الكلفة الاجتماعية الثقيلة للخمور، من حوادث للسير واغتصاب وعنف أسري»، وقال «اليوم نحن أمام خيارين، إما أننا سننتبه لحجم المخاطر ونحاول أن نجد الحلول المناسبة، وإما أننا سنتمادى في سلوكنا وسياساتنا ونتجاهل المعطيات الصادمة التي يتم الكشف عنها والمرتبطة بالكلفة الاجتماعية الباهظة للسكر العلني وانتشار الخمور بصفة عامة». وفي سياق الحديث عن الكلفة الاجتماعية، تعتبر خديجة فرحي أنها «ثقيلة على مستوى طاقات الشباب المغربي التي تضيع بسبب انتشار الخمور وتسهيل عملية اقتناءه وعدم إعمال القانون»، وتتجلى الكلفة الاجتماعية أيضا حسب المتحدثة، من خلال الإحصائيات الرسمية للأسباب التي تقف وراء حوداث السير بالمغرب بسبب السكر. وقالت «السكر العلني إضافة إلى أنه جريمة في حد ذاته، فهو عامل أساسي جدا لإنتاج جرائم أخرى، فحوادث القتل تنامت مؤخرا بسبب السكر العلني، تضاف لحالات الوفيات المرتبطة بحوادث السير الناجم عن تناول الخمور». أي مقاربة ناجعة؟ واعتبر مولاي عمر بنحماد أن «المطلوب اليوم وقفة قوية على جل المستويات»، يضيف قائلا، «لنقول جميعا كفى كفى، يجب أن نضح حدا لانتشار الخمور أمام كلفته الباهظة»، ويرى بنحماد أن الحديث اليوم عن الخمر ليس باعتباره سلوكا اجتماعيا، بل مصيبة اجتماعية كبيرة، وغير مقبول التقليل من خطورة الموقف، وشدد المتحدث على الدور المهم جدا للمقاربة التربوية، مؤكدا أنه يجب «تفعيل القانون وتشديد الترخيص لبيع الخمور، ولا يسمح لمحلات البيع الغذائية ببيع الخمور، واتخاذ من الإجراءات كل ما من شأنه التقليل على الأقل من هذه الآفة»، واختتم بنحماد حديثة ل»التجديد»، بمناشدة القوى السياسية لاتخاذ مواقف مشرفة في هذا الموضوع، وقال، «الآن نحن نعيش تحولا سياسيا فيه على الأقل حزبين كانت لهما مواقف في هذا الموضوع، وأثارت فرقهم البرلمانية الموضوع أكثر من مرة، نتساءل هل يتم تحريك الموضوع من جديد؟». وفي نفس السياق، اعتبرت خديجة فرحي، أستاذ التعليم العالي بجامعة المحمدية، والمتخصصة في علم الإجرام، أن المعالجة يجب أن تكون وفق مقاربة شمولية تنطلق من المعالجة الجذرية، وقالت «المطلوب أن تصبح هناك صعوبة في اقتناء الخمور، كما أن القانون المرتبط باقتناء الخمور مرتبط بالأجانب، نتساءل كيف أن المستهلكين 80 بالمائة مغاربة مقابل وجود تشريع مغربي يسمح باقتناء الخمور للأجانب فقط»، وترى فرحي أن هناك حاجة للتوعية عبر وسائل الإعلام والتي «تكاد تكون منعدمة»، بالإضافة إلى «التوعية والتحسيس في الأوساط التعليمية»، تضيف دائما في حديثها ل»التجديد»، «حيث تنامت ظاهرة السكر العلني بين التلاميذ، الذي يلجئون لقاعات الدراسة أحيانا وهم سكارى، مما ينجم عنه حالات اعتداء متكررة على الأستاذات بشكل خاص». وترى فرحي أن «الكل مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالرفع من درجة اليقظة، والسعي إلى التحسيس والتوعية بمخاطر السكر العلني خاصة، وتناول الخمور بشكل عام، سوار تعلق الأمر بالمؤسسات الرسمية والجهات الوصية، أم بهيآت المجتمع المدني».