احتفلت الشركة العربية الأفريقية للتوزيع والنشر يوم الجمعة الماضي بالذكرى 25 لتأسيسها، وبهذه المناسبة أقامت "سبريس" عدة أنشطة وتظاهرات أبرزها الندوة العلمية التي جمعت إعلاميين مغاربة وأجانب حضروا من المغرب العربي ومن خارجه، أتوا ليشاركوا السيد محمد برادة وسبريس كلها هذا الاحتفال، وليساهموا كل من موقعه في الإجابة عن سؤال محوري "أي صحيفة لأي قارئ" رقمان اثنان يكفيان للدلالة على خطورة السؤال وأهمية الإجابة العملية عليه. الأول 14 (أربعة عشر) صحيفة لكل ألف مغربي، والثاني مجموع ما يوزع يوميا من الصحف لا يكاد يوازي عدد الأساتذة والمعلمين، فأين مقروئية باقي الموظفين والأطر والأطباء والمهندسين والأدباء والشعراء، ورجال القانون والاقتصاد والطلبة والطالبات والتلاميذ والتلميذات. إن هذا التراجع المهول والأرقام الهزيلة لانتشار صحفنا الوطنية يرجع إلى عدة أسباب نذكر منها: مستوى الجودة، مضمونا وشكلا، والابتعاد عن هموم القارئ وتطلعاته، وقوة المنافسة داخليا وخارجيا، ووسائل الإعلام الجديدة من فضائيات وأنترنيت، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وشح الإشهار وخاصة للصحف الصادرة باللغة العربية، وقلة الموارد المالية لدى المؤسسات الصحفية. لكن هناك سبب آخر يهم المغرب كله، وهو أعمق من هذه الأسباب كلها وأخطر وعليه المعول في كسب رهانات التعلم، والتنمية والعيش الكريم وهي رهانات تتجاوز انتشار الصحف وقراءتها؛ إنه ضعف القراءة. وهذا العيب في حقنا أفظع لأننا جزء من أمة كان أول خطاب لها "اقرأ" كما قال زميل من جريدة "الاتحاد الاشتراكي" في المناسبة المذكورة أعلاه. إن ضعف القراءة يكاد يكون الطابع الغالب لأكثر المغاربة، إذ غلب علينا "قالوا وسمعنا" ولم نكد نسمع ب"كتبوا وقرأنا" ومع عصر الفضائيات أصبح لسان حال الجميع "بثُّوا وشاهدنا". لا بد إذن من الاهتمام بالقراءة وتنميتها وتشجيعها. ولأجل هذا وجب تكامل كل الجهود الرسمية والشعبية في المدرسة والبيت والإعلام، لأن ثقافة القراءة وحب القراءة يحتاج إلى تخطيط وتدبير، وإلى توجيه وقدوة، وإلى متابعة وتحفيز أكثر مما يحتاج إلى إمكانيات ووسائل. وكما كثر الكلام في الأيام الأخيرة عن أهمية التربية الفنية والذوق الجمالي والانفتاح والتعدد اللغوي لدى أطفالنا، فلا أقل من أن تضع برامجنا التعليمية من أولوياتها وأهدافها غرس حب القراءة والاعتناء بها. فعند شعوب أخرى، يعطى الطفل قسطه من القرادة كما يعطى قسطه من الطعام والشراب فيشب على ذلك ويشيب عليه، حتى إنه لا يكاد يفارق القراءة في جميع أحواله. فالبدار، البدار..الكل من موقعه وحسب إمكانياته ومسؤولياته من أجل إنضاج برنامج وطني متكامل ومندمج للقراءة، في إطار "عام القراءة" أو "شهر الصحف" أو "أسبوع الكتاب". وليكن شعار السنة الأولى لهذا البرنامج "صحيفة في الشهر وكتاب في السنة لكل مواطن بدل سجارة في اليوم".