طالبت إحدى النقابات الصحية من وزير الصحة وقف الاقتطاعات التي همت رواتب موظفي قطاع الصحة الذين خاضوا إضرابا للدفاع عن مطالبهم، إذ اعتبرت الجمعية أن الاقتطاعات غير مبررة وغير دستورية ولا مرجعية قانونية لها وهي مجرد إجراءات تعسفية لا تخلو من استبداد وتهدف إلى التضييق على ممارسة حق الإضراب المضمون دستوريا. الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل، مبرر آخر لشغيلة الجماعات المحلية، حيث تستعد ثلاث نقابات للشغيلة الجماعية لخوض إضراب وطني مدته 48 ساعة يومي 21 و 22 نونبر المقبل مع التوقف عن العمل مدة ساعة كل يوم جمعة طيلة شهر نونبر المقبل. ومع تواتر الإضرابات عن العمل بالعديد من المرافق العمومية الحيوية ذات الارتباط المباشر بمصالح المواطنين، وبسبب التكلفة المادية التي تحمل تبعاتها الدولة ثم المواطن، رفعت الحكومة ورقة الاقتطاع من الأجور..على اعتبار أن الأجر يساوي العمل. كيف يمكن التوفيق بين حق العمال في الدفاع عن حقوقهم، وحق المواطنين في استمرار المرفق العمومي واشتغال المقاولات؟ ما هي المرتكزات التي اعتمدتها الحكومة في هذا الاقتطاع؟ ما هي القواعد والضوابط المتعلقة بممارسة الإضراب..تلكم أهم الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها من خلال هذا الملف. شرعية الإضراب يعتبر الإضراب من الوسائل التي تلجأ إليها النقابات للضغط على الحكومة، أو أرباب العمل للاستجابة للملفات المطلبية المطروحة، والمعنى الفقهي للإضراب هو:» اتفاق عدد من العمال أو الموظفين على الامتناع عن العمل الواجب عليهم بمقتضى القوانين واللوائح، أو عقد العمل، مع التمسك بمزايا الوظيفة العامة»، ويعرفه مشروع قانون الإضراب ب «يعتبر حق الإضراب أحد الحقوق المشروعة للدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للأجراء، وباعتباره منصوص عليه في بعض المواثيق الدولية، فإنه يعد من أهم تجليات ممارسة الحق النقابي، الذي يشكل أحد المبادئ الأساسية لحقوق الأجراء». الإضراب إذن من من أهم الوسائل المتاحة للموظفين والأجراء، إلا أنه لازال يثير الكثير من الجدل القانوني والقضائي، باعتباره حق لا يجب أن يلغي واجبا. فماهي المرجعية الحقوقية والقانونية للحق في الإضراب؟ أقر المشرع المغربي بممارسة الإضراب في المقاولات والمؤسسات والأنشطة الخاضعة للقانون رقم 65,99 بمثابة مدونة الشغل والمقاولات المنجمية والعمل البحري والظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية من طرف المشتغلين لحسابهم الخاص(المادة8)، إلا أنه اشترط في المادة (9) عدم اللجوء إلى الإضراب إلا بعد فشل المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة. اللجوء إلى الإضراب هو حق من الحقوق التي كفلها الدستور، حيث نص في الفصل 29 منه (الفقرة الثانية) على أن»حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، وذلك انسجاما مع ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي نص في مادته (8) على تعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، بأن «تكفل جملة من الحقوق، بما فيها الحق في الإضراب، على أن يمارس طبقا لقوانين الدولة المعنية». لكن وأمام ما يسميها «البعض» بفوضى الإضرابات، خاصة بعد توالي الإضراب عن العمل بمجوعة من المرافق العمومية وما يصاحب ذلك من «ظلم» للمواطنين الذين تضيع حقوقهم، وانعكاساته على المرافق العامة التي تخدم المصلحة العامة ماديا ومعنويا، ومع ارتباط الأبعاد السياسية بقرارات الإضراب في أحيان كثيرة، قررت الحكومة أخيرا اقتطاع أيام غياب مجموعة من الموظفين عن العمل بسبب «الإضراب». شرعية الاقتطاع حددت مذكرة لوزارة العدل و الحريات مجموعة من الأسس القانونية لإجراء الاقتطاع من أجور موظفي الدولة والجماعات الترابية المضربين عن العمل، حيث نص الدستور، بصفة صريحة، في مجموعة من الفصول على: 1 – ضرورة تقيد جميع المواطنات والمواطنين بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، عند ممارستهم للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، بما يفرضه ذلك من تلازم بين ممارسة الحق وأداء الواجب (الفصل 37 من الدستور). 2 - مبدأ استمرارية الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية للمواطنين، والذي يعتبر مبدأ دستوريا أساسيا من المبادئ التي يتم على أساسها تنظيم المرافق العمومية (الفصل 154). 3 - ضرورة مراعات جميع أعوان المرافق العمومية، من موظفين وغيرهم، عند ممارستهم لوظائفهم، للمبادئ التي نص عليها الدستور، ومن بينها مبدأ حماية المصلحة العامة (الفصل 155). بالرجوع إلى أحكام المادة (8) من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سبقت الإشارة إليها، يستخلص أن الحق في الإضراب ليس حقا مطلقا، بل يشترط أن تتم ممارسته وفقا لقوانين الدولة المعنية. ويستنتج من المبادئ والتوصيات والقرارات الصادرة عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية، أن هذه اللجنة تعتبر أن حق الإضراب هو حق مكفول للمنظمات النقابية؛ أن أصناف العاملين الممكن حرمانهم من هذا الحق وكذا القيود الممكن فرضها على ممارسته بموجب القانون، يجب أن تكون محدودة، وأن الغاية من الإضراب يجب أن تكون هي الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للعمال، وبذلك يستثني هذا المبدأ الإضرابات التي تكتسي طابعا سياسيا صرفا.كما أقرت اللجنة المذكورة جواز حظر الحق في الإضراب في حالتين: إضراب الموظفين الحكوميين الذين يمارسون السلطة باسم الدولة؛ والإضراب في القطاعات التي تقدم خدمات أساسية. وقد استقر الاجتهاد القضائي المغربي على اعتبار مشاركة الموظف في الإضراب، سواء أكان هذا الإضراب مشروعا أو غير مشروع تستوجب الاقتطاع من أجرته حسب أيام الغياب اعتمادا على قاعدة الأجر مقابل إنجاز العمل وتطبيقا لمقتضيات المرسوم الملكي بسن نظام المحاسبة العامة عدد 66-330 والمرسوم رقم 1216-99-2 الصادر بتاريخ 10 ماي 2010. التشريعات الأجنبية إن موقف التشريعات الأجنبية، فيما يخص تقنين حق الإضراب وشروط ممارسته، والقيود المفروضة عليه، يختلف من دولة إلى أخرى، وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن عددا من الدول التي صادقت على الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحريات النقابية، لا تعترف بحق الإضراب في الوظيفة العمومية (بما في ذلك الموظفين الذين لا يمارسون السلطة باسم الدولة)، كما أن عددا آخر من هذه الدول بفرص قيودا على هذا الحق بكيفية تجعل ممارسته شبه مستحيلة، في حين جعلته دول أخرى ممنوعا في قطاعات محددة أو تفرض اللجوء الإلزامي إلى التحكيم في حالة إعلان الإضرار ولو من جانب واحد، أو تفرض ضرورة الحصول على موافقة نسبة معينة من العمال من أجل اتخاذ قرار اللجوء إلى إعلان الإضراب، تصل في بعض الدول إلى أغلبية ثلثي هؤلاء العمال. كما أن عددا من الدول المشار إليها قد ضمنت تشريعاتها الوطنية مقتضيات تهدف إلى إقرار عقوبات حبسية في حق المضربين في الحالات التي يمنع فيها الإضراب. وبالتالي، عدم القيام بالعمل بصورة فعلية، يستوجب الاقتطاع من الأجر عن مدة التغيب بكيفية إرادية، وأن هذا الاقتطاع لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية كما أقر ذلك القرار رقم 588 الصادر عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية في الموضوع.