حسمت وزارة العدل والحريات رسميا في قرار الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل، بإصدارها مذكرة وزارية حول "الأسس القانونية لإجراء الاقتطاع من أجور موظفي الدولة والجماعات الترابية المضربين عن العمل". وشددت الوزارة في المذكرة على أن عدم القيام بالعمل بصورة فعلية، يستوجب الاقتطاع من الأجر عن مدة التغيب بكيفية إرادية، وأن هذا الاقتطاع لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية، كما أقر ذلك القرار رقم 588 الصادر عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية في الموضوع، مشيرة إلى أن ممارسة حق الإضراب الذي كفله الدستور، ينبغي أن يجري في ظل الاحترام التام للمبادئ الدستورية، وفي مقدمتها مبدأ استمرارية المرفق العام، وكذا عدم المساس بحقوق المواطنات والمواطنين. وانطلاقا من المرجعية الدستورية، ذكرت المذكرة، التي توصلت "المغربية" بنسخة منها، أن اللجوء إلى الإضراب هو حق من الحقوق التي كفلها الدستور، إذ نص في الفصل 29 منه على أن "حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، انسجاما مع ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي نص في مادته 8 على تعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، بأن "تكفل جملة من الحقوق، بما فيها الحق في الإضراب، على أن يمارس طبقا لقوانين الدولة المعنية". وأضافت المذكرة أنه إذا كان هذا الإقرار الدستوري قد ضمن ممارسة هذا الحق، فإن هذه الممارسة يجب أن تراعي ضرورة احترام جملة من الحقوق والمبادئ التي نص عليها الدستور، بصفة صريحة، في فصول أخرى منه، أهمها، ضرورة تقيد جميع المواطنات والمواطنين بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، عند ممارستهم للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، بما يفرضه ذلك من تلازم بين ممارسة الحق وأداء الواجب، ومبدأ استمرارية الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية للمواطنين، الذي يعتبر مبدأ دستوريا أساسيا من المبادئ التي يجري على أساسها تنظيم المرافق العمومية، وضرورة مراعاة جميع أعوان المرافق العمومية، من موظفين وغيرهم، عند ممارستهم لوظائفهم، للمبادئ التي نص عليها الدستور، من بينها مبدأ حماية المصلحة العامة (الفصل 155). وأشارت إلى أنه إذا كان الدستور كفل حق الإضراب للعاملين بمختلف فئاتهم، فإن ممارسته مقيدة بضرورة عدم الإخلال بأي مبدأ من المبادئ المذكورة، حفظا لحقوق المرتفقين، وضمانا لاستمرارية المرافق العمومية في تقديم خدماتها لهم. وأوضحت أن الأسس القانونية التي يمكن اعتمادها لإجراء الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل في انتظار صدور القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 29 من الدستور، والذي يجب أن يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تفرض المقتضيات القانونية الجارية حاليا، التمييز بين حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، وحالة عدم أداء العمل لأسباب أخرى. وأوضحت أن "المشرع اعتبر، بكيفية صريحة، في حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، كل تغيب عن العمل دون ترخيص من الإدارة، تغيبا غير مشروع يستوجب الاقتطاع من الأجر، وذلك بموجب القانون رقم 81-12 الصادر بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وأن المرسوم 1216-99-2 الصادر في 10 ماي 2000، حدد شروط وكيفيات تطبيق أحكام القانون المذكور. وفي حالة عدم أداء العمل لأسباب أخرى، أفادت المذكرة، أن من بين المبادئ الأساسية التي أقرها المشرع في مجال المحاسبة العمومية، مبدأ أداء الأجرة مقابل أداء العمل، وهو المبدأ الذي نص عليه الفصل (41) من المرسوم الملكي رقم 60-330، الصادر في 21 أبريل 1967، بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، حيث لا يجري أداء الأجرة إلا بعد تنفيذ العمل. وينطبق هذا المبدأ، حسب المذكرة، على الحالات التي يجري فيها الانقطاع عن العمل لأسباب أخرى غير حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، بما فيها حالة اللجوء إلى الإضراب، ويترتب عن ذلك، أن للإدارة الحق في أن تقتطع مدة التغيب من الأجرة لكل موظف لم يقم فعليا بمزاولة عمله وانقطع عنه بكيفية إرادية. كما ينطبق هذا المبدأ، بصفة خاصة، تضيف المذكرة، على حالات الموظفين الذين يلجأون إلى ممارسة حق الإضراب بكيفية تعسفية، دون مراعاة المبادئ الدستورية المشار إليها سلفا، وفي مقدمتها مراعاة حقوق المواطنات والمواطنين في الحصول على الخدمات العمومية، ومبدأ استمرارية المرافق العمومية، ومبدأ رعاية المصلحة العامة وحمايتها، ومبدأ التلازم بين ممارسة الحق والقيام بالواجب، ومبدأ ممارسة الحقوق بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة. وأشارت المذكرة، في هذا الصدد، إلى أن المادة 32 من مدونة أدرجت "مدة الإضراب" ضمن الحالات التي يتوقف فيها عقد الشغل مؤقتا. ووقفت المذكرة عند المرجعية الدولية في موضوع الإضراب، وتحديدا أحكام المادة 8 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يستخلص منها أن الحق في الإضراب ليس حقا مطلقا، بل يشترط أن تجري ممارسته وفقا لقوانين الدولة المعنية. وفي السياق ذاته، تطرقت المذكرة إلى مجموعة من المبادئ والتوصيات والقرارات الصادرة عن لجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية، وإلى مجموعة من القرارات التي اعتمدتها منظمة العمل الدولية في موضوع الإضراب، ذكرت منها، القرار رقم 531 الذي يعتبر أن الاعتراف بمبادئ الحريات النقابية لمستخدمي القطاع العام لا يعني بالضرورة حق الإضراب، والقرار رقم 534، الذي يحظر حق الإضراب فقط على مستخدمي الدولة الذين يمارسون السلطة باسم الدولة، والقرار 538، الذي يعتبر أن موظفي القطاع القضائي كمستخدمي قطاع عام يمارسون السلطة باسم الدولة. ونتيجة لذلك، قد تجرد السلطات هؤلاء المستخدمين من حقهم في الإضراب.