رغم التقدم التكنولوجي والعلمي ما تزال عديد من الأسر المغربية رهينة خرافات كثيرة، إذ تعتقد في أجزاء الأضحية علاجا لبعض الأدواء، وهناك من يعتقد أن مائة قديدة من مائة أسرة إذا طبخت وأكلت منها المرأة التي تعاني من العقم فإنها ستشفى، ومن لم يجد علاجا لأطفال عجزوا عن النطق فإن هناك من ينصحه بإطعامه كذا عدد من ألسنة خرفان الأضحية التي تؤخذ من عند عدة أسر، كما أن هناك من يعتقد في دم الأضحية حلا لطرد الجن لمجرد رسم كف ملطخة بالدم على جدار من جدران البيت.إنها خرافات لم تستطع عدد من الأسر التخلص منها، فهل من سبيل لتنوير هذه الأسر بأصل تلك الأفكار وموقعها من الناحية الشرعية، من أجل تفاديها؟ لسان الخروف لإطلاق لسان الطفل صرحت إحدى النساء ل «التجديد» أنها ما تزال تسمع عن نساء في الأطلس المتوسط يقمن بجمع 7 ألسنة لخرفان عيد الأضحى قبل حلول العاشر من ذي الحجة ليجمعنها بعد العيد من أجل طهيها وتقديمها لأبناء لا يستطيعون النطق رغم تجاوز ثلاث سنوات، مؤكدة أنها تعرف أسرا قامت بذلك لكن الوصفة لم تعط نتيجة تذكر، مما جعلها تعلق على الأمر بكونه لا يعدو أن يكون خرافة من الخرافات التي توارثتها الأسر دون سند علمي أو شرعي. وكتبت نوريهان سيف الدين أن أطفال العائلات المصرية يغمسون أيديهم في دماء الأضحية ليطبعوا بها جدران المنزل ظنا منهم أنهم بهذه الطريقة يطردون الجن من البيت. وأشارت الكاتبة إلى أن الأصل في تلك الممارسات يعود لما قبل ‘'الجاهلية''، وبعضه يعود للعصر ‘'الفرعوني'' نفسه؛ فعقائد أهل مصر القديمة كانت تتقرب للآلهة بقرابين تذبح في المعابد، ويؤخذ ‘'جلودها ودمها'' ك''هبة خاصة'' لخدام المعبد و صغار الكهنة، والدم أيضا لعب دورا في ‘'العقيدة اليهودية''، منذ أن تحول ‘'نهر النيل'' إلى دم في عهد سيدنا موسى ‘'عليه السلام''، وآيات خروج ‘'بنو إسرائيل'' من مصر، كما ذكر في العهد القديم ‘'ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم واعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب ارض مصر''. «قديد العاقر» تنتشر عادة جمع مائقة قطعة من القديد من مائة أسر بعدة مناطق من مناطق المغرب ظنا أن طبخ هذه القطع مع الكسكس ستساعد الأسرة التي لم تنجب أطفالا على مغادرة عالم العقم إلى عالم إنجاب الذرية، على اعتبار أن مسألة الإنجاب كانت دوماً من أهم المسائل المؤدية لنجاح الأسرة واستمرار الحياة الزوجية، ولذلك فإن مشكلة العقم أخذت حيزاً كبيراً من البحوث والدراسات العلمية، وكانت أيضا محط اهتمام الدجالين والمشعوذين وبائعي الأفكار الميتة الملفوفة في غلاف براق يخدع العقول حتى تقدم على غير المعقول، ومن ذلك لجوء بعض النساء خلال أيام عيد الاضحى إلى جمع مائة قطعة لحم أضحية لأسر تكون فيها الزوجة ولودا من أجل علاج عقم امرأة حرمت نعمة الإنجاب. وتعرف عادة جمع اللحم هذه لدى المغاربة قديد العاقر. قديدة التسلية لم تعد زهرة التي أمضت عشرين سنة من الزواج دون إنجاب تكترث وصديقاتها إلا لحلول عيد الأضحى من أجل جمع قديدة العقيم من أجل التسلية والاجتماع على مائة قطعة لحم يظن معطوها من الأسر أنهم تضامنوا مع امرأة محرومة من الإنجاب سيتم علاج حالتها بمجرد تناول طعام متضمن للحم مائة خروف. لم تخف زهرة التي حكت عن سياستها الجغرافية تجاه جمع قديدة العيد أن أمر التسلية أصبح طاغيا لديها لما يضفيه عليها وعلى بعض جاراتها من بهجة الاجتماع، فلكي لا يفضح أمرها تعتمد زهرة وصديقاتها على عدم اللجوء إلى أسر تسكن الحي نفسه، فهي تتخذ من الأحياء الشعبية للرباط وسلا مناطق مدروسة تتجه إلى بعضها هذه السنة لتتجه إلى البعض الآخر في السنة الموالية، تستعطف الناس بأنهم لم يحرموا من الذرية، وأنها تسلك منهج «سبب يا عبدي وأنا نعينك»، وتستعين في ذلك بفرق من النساء يجتمعن على الكسب كما يجتمعن على القصعة في نهاية المطاف يتبادلن الضحك على من صدقهن أن قديد هذه السنة سيكون العلاج النافع لحالة عدم الإنجاب. رأي النفساني يرى الدكتور النفساني أحمد المطيلي أن الأمر يحتاج أولا إلى إجراء دراسة أنتروبولوجية لمعرفة أصول هذه العادات من حيث المكان والأشخاص والمعتقد. وأوضح المطيلي أن هناك قاعدة أساسية مفادها أن المرء حينما يتعرض لمشكل أو مرض أو أزمة ما، ومنها العقم سواء بالنسبة للرجل أو المرأة فإنه يصبح معرضا للضعف. والمرء يعتقد أن الإنجاب بالنسبة إليه رمزا للاستمرارية، وذلك أيضا مما أشار إليه الحديث النبوي من أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له، فأزمة عدم الإنجاب إذن، يقول المطيلي، أزمة وجودية، وبالتالي يصبح عدم الإنجاب مدعاة للقلق والضعف والنكوص. ومن هنا يبحث المرء عن حلول ولو كانت تخالف العقيدة، إلا من رحم ربك، ويفقد المرء قدرته على إعمال العقل مما يسقطه في عالم الشعوذة والخرافة ومنها علاج العقم بالقديد.ويضيف المطيلي أن الشخص في حالة ضعف وعجز يصبح لديه استعداد لينفذ أي شيء يطلب منه. ويوضح المطيلي أن حل هذه الأزمة يتطلب العلاج النفسي والعقدي، إضافة إلى العلاج الطبي.ويتمثل العلاج العقدي حسب المطيلي لحالة العقم بترسيخ الإيمان بالقضاء والقدر مع اتخاذ الأسباب ومنها اللجوء إلى العلاج الطبي لدى المختصين في المجال. أما العلاج النفسي فيراه المطيلي مهما لأنه تبين في الآونة الأخيرة حسب دراسات مختصة أن الجانب النفسي له قسط مهم ضمن أسباب العقم، لأن عددا من الحالات تقوم بفحوصات طبية ولا تكتشف أسباباعضوية للعقم ليتبين أن هناك أسبابا نفسية قد ترجع إلى الخوف من الإنجاب منذ الطفولة، أو للصراعات الأسرية واثرها النفسي. وبخصوص النساء اللواتي يتخذن عادة جمع القديد من باب المرح فإنه المطيلي يرى فيه التسلية على حساب معاناة الآخرين. رأي الشرع يرى الداعية الإسلامي الدكتور عبد الرحمان البوكيلي في استعمال لحم الأضحية للعلاج :» أن المؤمن إذا انتبه إلى المقاصد من الأضحية والأسرار الكامنة خلف العيد، فإنه بذلك سينجو من عدد لا يحصر من البدع والمفاسد والانحرافات وذلك لأن الاضحية هي إحياء لسنة إبراهيم الخليل عليه السلام، والمؤمن إذ يضحي لوجه الله عز وجل فإنه يقصد بذلك إحياء لهذه السنة ونيل ما رتبه الله على ذلك من الأجر والثواب. والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين جملة من الآداب التي تحيط بهذه الشعيرة وتنأى بها عما يحرفها عن مقاصدها، فبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمن عليه أن يتعامل مع أضحيته وفق ثلاثة أمور، فيأكل منها هنيئا مريئا ويتصدق منها نفعا لغيره من الخلق ويدخر منها ما يشاء كيفما شاء. أما ما عدا ذلك مما يعتقده بعض الناس في دمها أو في كتفها أو في أجزاء منها فكل ذلك بدع مقيتة وربما شركيات تعصف بأجر المؤمن إن لم تبطل عمله بالكامل.وبخصوص الإنجاب فإن الأمر يتعلق بإرادة من بيده الخلق سبحانه وتعالى فعلى المؤمن هنا أن يسعى بالطرق المشروعة من زواج أو تداوي إلى أن يرزقه الله ذرية صالحة ليبقى الأمر بيد الله الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فما على المؤمن وهو يجد ويجتهد في طلب الأبناء إلا أن يؤمن مع سعيه وجده بقضاء الله وقدره. أما في الكتاب والسنة الصحيحة، يقول تعالى في القرآن الكريم بشأن الأضاحي ‘'لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين''، وبخصوص الدم تقول الآيات ‘'قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم''.أما ذبح الأضحية فهي ‘'سنة مؤكدة'' عن الرسول - صلى الله عليه و سلم - للقادرين عليها، فقال: ‘'ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا''.