كشفت معطيات حصلت عليها «التجديد»، حول تدبير ملف المتضررين من فيضانات الغرب لسنة 2009، عن وجود غموض في تقارير رسمية تحدد أسماء المتضررين، للاستفادة من تعويضات الدولة. وبالرغم من مرور أزيد من ثلاث سنوات ونصف عن الفيضانات التي شهدتها جهة الغرب اشراردة بني حسين، لازال العشرات من الأشخاص يقطنون بالمركز الفلاحي 247، بقيادة دار العسلوجي، وهو المركز المهجور منذ سنة 1982 وفي ملكية المكتب الجهوي للاستثمار. ساكنة المركز الفلاحي تعيش وضعا اجتماعيا متدهورا، بدأ يتفاقم بعد أشهر من إيوائهم بالمركز الفلاحي بسبب قطع التيار الكهربائي عنهم، لتبدأ رحلة البحث عن الكهرباء، فقادتهم الأقدار إلى المحاكم بتهمة اختلاس الكهرباء، قبل أن يكتشفوا أن «الدولة تنكرت لهم»، فأُسقطوا من لائحة المتضررين من الفيضانات. «التجديد» زارت المناطق المتضررة من فيضانات الغرب قبل ثلاث سنوات بقيادة دار العسلوجي بإقليمسيدي قاسم، وتعيد فتح ملف المتضررين، لتنقل لكم معاناة ثلاث سنوات ونصف من التشرد والضياع لنحو 140 شخصا بينهم ثلاثون تلميذا وتلميذة على الأقل، هل هم بالفعل متضررون من الفيضانات؟ كيف أُسقطوا من لوائح المتضررين؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ أسئلة وغيرها تحاول «التجديد» أن تجيب عنها من خلال هذا الملف. ثلاث سنوات ونصف من التشرد يحكي سكان المركز الفلاحي 247، الذي قدر لهم أن يعيشوا في المركز للسنة الثالثة على التوالي، بعدما شردتهم فيضانات الغرب بداية فبراير 2009، يحكون أنهم كانوا يقيمون بقطعة أرضية بجانب واد أضرم بجماعة دار العسلوجي بإقليمسيدي قاسم، منذ سنة 1963، وأمام الفيضانات المتكررة التي كانت تصيب «سهلهم» المنبسط غير البعيد عن نهر أضرم، اضطرت الساكنة إلى الانتقال إلى الحاجز الترابي المطل على واد أضرم سنة 1970، ليحاولوا بعد سنوات الرجوع إلى أراضيهم الأصلية، فقيل لهم، والعهدة على الراوي، أن أراضيهم انتزعتها الدولة منهم، ووضعتها رهن إشارة مربي الخيول، فظلوا يقطنون على مشارف واد أضرم، إلى أن أصابتهم الفيضانات سنة 2009. بالمركز الفلاحي 247، وقف محمد وإدريس وفاطنة وخالد والعربي وآخرون، كل فرد يحمل في ذاكرته شيء من الماضي الحزين، يحكون بمرارة كيف أصبحوا مشردين وذويهم بعدما طال انتظار وعود لم يكتب لها أن ترى النور، قوت أغلبهم اليومي من محصول الزراعة وتربية المواشي، يحكي محمد عن معاناة تلاميذ المركز الفلاحي مع انعدام التيار الكهربائي والماء الصالح للشرب وكذا غياب النقل المدرسي، يقول المتحدث وقد بدت عليه مظاهر التعب والإرهاق، «لماذا نحن فقط ليس من حقنا أن نستفيد من النقل المدرسي، إنهم يعاقبوننا على تشبثنا بحقنا في العيش الكريم». قبل شهر من وقوع الفيضانات، كانت ساكنة «قطعات أزعبيل» جد مبتهجة لربط منازلهم بالكهرباء والماء الصالح للشرب، وعاينت «التجديد» قنوات المياه التي تم توصيلها بجانب المنازل المنهارة إما بسبب الفيضانات أو بقرار للسلطات المحلية بفعل الخطر الذي يهددهم، نتيجة الفيضانات المتكررة التي تشهدها المنطقة، أدى السكان المصاريف الأولية للاستفادة من الماء والكهرباء، إلا أن تعرض منطقتهم للفيضانات أجلت فرحهم وابتهاجهم إلى أجل غير مسمى، لينقلب شعورهم بالفرح إلى ألم وحزن وتشرد طال انتظار وضع حد له، وتبخرت وعود المسؤولين الذين وافقوا على إيوائهم بالمركز الفلاحي. استدعاءات الهدم إذا كان عدد من ساكنة المركز الفلاحي تضررت مبانيهم بشكل مباشر بعد الفيضانات، فإن آخرون صدرت في حقهم قرارات بالهدم بعد تضرر جزئي لمبانيهم أو بسبب الخطر الذي يهددها نتيجة التواجد على مشارف وادي أضرم. وحسب وثائق تتوفر «التجديد» على نسخة منها، راسل مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للغرب «القنيطرة»، بعض سكان دوار قطعات أزعبيل، المتضررين من الفيضانات والقاطنين اليوم بالمركز الفلاحي، وذلك بتاريخ 2 أبريل 2009، وأنذرهم من أجل إخلاء «محرم عمومي»، وذلك «استنادا للمحضر المنجز عقب المعاينة التي أجرتها اللجنة المجتمعة بدائرة مشرع بلقصيري، بتاريخ 25 مارس 2009، في شأن الأضرار والمخاطر التي تحيق بالساكنة جراء المساكن المشيدة بالمحارم العمومية لقناة التجفيف واد أضرم»، وتؤكد المراسلة بأن الساكنة تخالف المادة 12 من القانون 10/95 المتعلق بالماء»، وتطالب من الساكنة الإخلاء الفوري للملك العام المائي، داخل أجل أقصاه 10 أيام.. وتنبه المراسلة إلى أن الاستمرار في احتلال المحارم سيعرض الساكنة لعقوبة حبسية تصل إلى سنة مع أداء غرامة مالية قدرها 2500 درهم أو الضعف في حالة العود. وفي السادس من مارس 2009 توصل الساكنة باستدعاء من طرف رئيس المجلس الجماعي، تقول أنه «تنفيذا لتعليمات السيد عامل إقليمسيدي قاسم، أطلب منكم الحضور إلى مقر جماعة دار العسلوجي ، لحضور اجتماع يتعلق بضرورة إخلاء وهدم البناءات المشيدة بجانب قناة التجفيف لواد أرضم»، رئيس المجلس الجماعي لجماعة دار العسلوجي آنذاك، أكد ل»التجديد» إن عامل الإقليم طلب منه شخصيا العمل على ترحيل ساكنة دوار قطعات أزعبيل، بعد تضررهم من الفيضانات نظرا للخطر الذي يهددهم بسبب الفيضانات المتكررة، ويؤكد رئيس الجماعة أنا قرارات الهدم اتخذت تنفيذا لتعليمات عامل الإقليم، إلى أن الإيواء بالمركز الفلاحي لم يصدر بشأنه قرار مكتوب، «ولكن تم التوافق على ذلك، في انتظار إيجاد حلول بديلة». محنة الساكنة مع الكهرباء وبالرغم من أن المركز الفلاحي ظل مهجورا منذ سنوات، بعد إيواء المتضررين بالمركز، ظل منزل لأسرة مستخدم سابق بالمركز الجهوي للاستثمار مزود بالكهرباء، فلجأ المتضررون من الفيضانات القاطنون بالمركز إلى جلب الكهرباء لمساكنهم، وظل الوضع على ما هو عليه لأشهر عديدة، قبل أن تلجأ مصالح المركز الجهوي للاستثمار إلى قطع التيار الكهربائي عن المركز. محنة الساكنة مع الكهرباء لم تتوقف، فبعد قطع التيار الكهربائي عن مساكنهم، لجأوا إلى «اختلاس التيار الكهربائي» من شبكة التوزيع العمومي، ولم يجدوا أدنى حرجا في الاعتراف بذلك أما الضابطة القضائية، بعدما تقدم لخليفي محمد، الممثل القانوني للمكتب الوطني للكهرباء للمنطقة الشمالية الغربية، بوضع شكاية مباشرة ضد 15 شخصا من قاطني المركز الفلاحي 247، بدوار قطعات أزعبيل بجماعة دار العسلوجي بإقليمسيدي قاسم، يتهمهم فيها باختلاس الكهربا، وذكر المشتكي أن ساكنة المركز قاموا يوم 12 أبريل 2012 على الساعة الواحدة بعد الزوال، باختلاس الطاقة الكهربائية لتزويد مساكنهم الكائنة بالمركز الفلاحي 247 التابع لقيادة دار العسلوجي، وذلك بإيصال أحبال كهربائية مباشرة من شبكة التوزيع العمومي ذات الضغط المنخفض لتزويد منازلهم بالطاقة الكهربائية دون استعمال عدادات كهربائية، ويقول ممثل المكتب أن الساكنة منعت أعوان المكتب من إزالة الأحبال الكهربائية المثبتة بطريقة عشوائية، وأفاد في تصريحاته للضابطة القضائية، بأن ذلك «يشكل خطرا كبيرا على سلامة الساكنة»، كما أضر ذلك ب»الشبكة الكهربائية وخلف أضرارا مادية بليغة»، المكتب الوطني للكهرباء طالب بأداء 17791.83 درهم قيمة مبلغ الفاتورة لكل شخص. وبعد الاستماع للأشخاص 15 من ساكني المركز الفلاحي بصفتهم مشتكى بهم، اعترف الجميع باختلاس الكهرباء، وقالوا أنهم أخذوها دون إشعار المكتب الوطني للكهرباء، بعدما أفرغوا من منازلهم من طرف السلطات المحلية بسبب الفيضانات، وتم إسكانهم بالمركز الفلاحي. وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم استدعى ساكنة المركز الفلاحي، واستمع إليهم، ولازال الملف معروضا أمام القضاء. تنكر للمتضررين بعد ثلاث سنوات ونصف من الانتظار، اكتشفت ساكنة المركز الفلاحي أنها غير مدرجة بلوائح المتضررين من الفيضانات، وخلص تحقيق أنجزته وزارة الداخلية، إلى أن قاطني المركز الفلاحي المذكور، والبالغ عددهم حوالي 140 شخصا، من سكان جماعة «قطعات أزعبيل»، غير مدرجين بلوائح المتضررين من الفيضانات، ففي 7 يونيو 2012، وطبقا لمراسلة مؤسسة الوسيط، تتوفر «التجديد» على نسخة منها، كشفت المؤسسة بأنه وبعد توصلها بشكاية قبل شهرين، بشأن التظلم من إقصاء ساكنة دوار قطعات أزعبيل، من التعويض عن الأضرار اللاحقة بهم جراء الفيضانات التي عرفتها مدينة سيدي سليمان سنة 2009، وأفادت مؤسسة الوسيط بأن وزارة الداخلية وبعد مراسلتها من طرف مؤسسة الوسيط، فتحت تحقيقا في الموضوع، خلص إلى أن «سكان جماعة قطعات أزعبيل غير مدرجين بلوائح المتضررين من الفيضانات»، كما أنهم «يستغلون بنايات المركز الفلاحي رقم 247 التابعة للأملاك المدبرة للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، ويمتنعون عن إفراغها ما لم يتم تعويضهم كباقي المتضررين أو تفويت العقار المحتل لفائدتهم»، وتقول مؤسسة الوسيط نقلا عن بحث وزارة الداخلية، «وهو ما لا يمكن الاستجابة له من الناحية الواقعية». رحلة البحث عن الحقيقة مقابل إسقاط أسماء الساكنة التي تقطن بالمركز الفلاحي 247، من لائحة المتضررين، وقفت «التجديد» في رحلة البحث عن الحقيقة أمام إصرار المتضررين على حقهم في الاستفادة من التعويضات التي منحت لسكان دواوير مجاورة لهم، واستنكارهم الإقصاء المفاجئ لهم وإسقاطهم من لائحة المتضررين، -وقفت- عند عدد من الحقائق التي تجعل الغموض هو سيد الموقف بخصوص تقارير رسمية أنجزتها وزارة الداخلية خلصت غلى أن سكان دوار قطعات أزعبيل غير مدرجين في لوائح المتضررين: حسب تقارير ومحاضر رسمية حصلت «التجديد» على نسخ منها، قامت لجنة إقليمية ضمت باشا مشرع بلقصيري وعددا من القياد ورؤساء الجماعات المحلية، بإنجاز محضر معاينة، بطلب من عامل سيدي قاسم، وذلك ل»تحديد استراتيجية التدخل لحماية الدواوير المتضررة من الفيضانات»، التقرير يشير إلى تضرر عدد من المنازل المتواجدة بدوار «قطعات أزعبيل»، ويوصي بنقل المساكن المعنية وإيجاد حلول بديلة لقاطنيها، ليتم بعد أيام استدعاء عدد من سكان الدوار، وتم إبلاغهم بضرورة إخلاء وهدم بناياتهم. سبق للمجلس الجماعي لدار العسلوجي، أن تناول في دورة أبريل لسنة 2009، «وضعية العائلات المتضررة بسبب الفيضانات، والمقيمة بالمركز الفلاحي 247 المهجور»، وناقش المجلس الجماعي بحضور أغلب أعضائه وممثل السلطة المحلية، «وضعية العائلات المتضررة بسبب الفيضانات، والمقيمة بالمركز الفلاحي 247 المهجور»، وأفاد المحضر الذي توفر «التجديد» على نسخة منه، بأن «الفيضانات التي عرفتها جماعة دار العسلوجي أضرت كثيرا بالحقول الفلاحية والمباني السكنية، خاصة بدوار قطعات أزعبيل، ولجأ سكان هذا الدوار إلى المركز الفلاحي 247 بعدما تهدمت مساكنهم واتخذوه ملجأ في انتظار إيجاد حلول نهائية لهم»، يقول المحضر، وبعد المناقش، قرر المجلي الجماعي بإجماع أعضائه الحاضرين، رفع ملتمس إلى السيد وزير الفلاحة والصيد البحري، يلتمسون فيه تفويت المساكن أو الأرض الفارغة التابعة للمركز الفلاحي 247 المهجور، إلى سكان قطعات أزعبيل الذين تعرضوا للتشرد بسبب الفيضانات..». بتاريخ 9 مارس 2009، توجهت اللجنة الإقليمية المكلفة بتوزيع الإعانات على منكوبي الفيضانات إلى مركز الاستقبال الفلاحي 247، وضمت اللجنة كل من قائد الحوافات بدائرة مشرع بلقصيري، وكذا رئيس المجلس القروي لدار العسلوجي مصحوبين بممثلين عن الدرك الملكي الجهوي بسيدي قاسم، وفرقة التدخل السريع لقواة المساعدة والوحدة المتنقلة للوقاية المدنية بسلا وسيدي قاسم وسطات، واستعملت القوارب المطاطية للوصول إلى منكوبي الفيضانات المتواجدين بالمركز الفلاحي، ومرة أخرى يؤكد محضر تسليم المعونات، والذي تتوفر «التجديد» على نسخة منه، أن قاطني المركز الفلاحي 247، من المتضررين من فيضانات 2009، وهو المحضر الذي وقعت عليه السلطات المنتخبة والسلطات المحلية والأمنية. بتاريخ 24 مارس 2010، وبجماعة دار العسلوجي، استفادت 530 أسرة، والمنتمين إلى دواوير «أولاد شداد» و»لكبارتة» و»أزعبيل»، و»المركز والقطعات»، -استفادوا- من مساعدات وزعت على منكوبي الفيضانات، وحسب محضر التوزيع الذي تتوفر «التجديد» على نسخة منه، فإن المساعدات وزعتها جمعية نادي اليونسكو للتنمية البشرية بالعالم القروي، وبدعم من البنك الغذائي بالدار البيضاء، وأكد رئيس الجمعية المشرفة على توزيع المساعدات، في حديث مع «التجديد» بأن المتضررين من الفيضانات المتواجدين حاليا بالمركز الفلاحي استفادوا أيضا من المساعدات، ويشير محضر التوزيع إلى حضور قائد الجماعة والخليفة وأعوان السلطة والدرك الملكي والقوات المساعدة. الجهات الرسمية تمتنع عن الحديث في الموضوع! رفض رئيس الشؤون العامة بعمالة سيدي قاسم إعطاء أي توضيحات ل«التجديد» حول الموضوع، وقال إن السلطات المحلية بعين المكان هي التي يمكنها تقديم التوضيحات، واتصلت «التجديد» بقائد قيادة دار العسلوجي، ورفض بدوره تقديم أي توضيح، مشيرا أنه لم يكن قائدا في المنطقة في فترة الفيضانات، وأفاد أنه بحاجة لأخذ إذن من المسؤولين بعمالة سيدي قاسم لتقديم توضيحات أكثر.