أتاح مؤتمر «مركز القدس للدراسات السياسية» الذي انعقد ببيروت نهاية الأسبوع الفرصة لتسليط الضوء على تجربة العدالة والتنمية التركي، وعلى تقييم أداء الإسلاميين في دول الربيع العربي في ترتيب الانتقال الديمقراطي وتدبير العمل الحكومي. اللافت في هذا المؤتمر، أنه بقدر ما ركز على النموذج التركي وحدود استفادة العالم العربي منه، بقدر ما تم لفت الانتباه أيضا إلى التجربة المغربية، ليس فقط في جانبها المتعلق بشكل تعاطيهم مع الربيع العربي والدينامية السياسية التي أنتجوها لتدبير مرحلة ما بعد فتح ورش الإصلاح الدستوري، ولكن أيضا، وربما بشكل أكبر، في جانبها المرتبط بالإرادة السياسية، والجواب الذكي الذي قدمته المؤسسة الملكية والذي أنتج خيارا ثالثا للانتقال الديمقراطي في المنطقة. ومع أن المؤتمر اتجه بالقصد الأول إلى عرض التجربة التركية والمرتكزات التي قامت عليها، وبشكل خاص، الخطاب المدني الديمقراطي الذي تبناه حزب العدالة والتنمية التركي، ومحاولة البحث عن مساحات في العالم العربي لتعميمه داخل الحركة الإسلامية لاسيما في المشرق، إلا أن العديد من الآراء اتجهت إلى ضرورة التمييز بين السياقين التركي والعربي، ولفتت الانتباه إلى أهمية دراسة النموذج المغربي، بحكم أنه يمثل اجتهادا انطلق من معادلة عربية تشبه إلى حد كبير المعادلات العربية القائمة في دول المشرق. ما هو مفيد في هذه الآراء أنها تتيح الفرصة للحركة الإسلامية في المغرب لكي تنظر إلى نفسها بعيون أخرى، وترى كيف تتمثل التجارب الإسلامية الأخرى تجربتها، وما هي عناصر القوة التي تحظى عندها بالأولوية في هذه التجربة. - ويرى الأتراك- وتحديدا حزب العدالة والتنمية- أن العمل في الإطار المؤسسي، وفهم المداخل والإمكانات التي يوفرها، والواقعية السياسية وما تعنيه من التدرج والقراءة الذكية للحظة السياسية، كلها عناصر تؤشر على أن الحركة الإسلامية في المغرب تسير في الاتجاه الصحيح. - وبالنسبة للمشارقة بتعدد واختلاف تجاربهم، فقد توقفوا عند الاجتهادات الفكرية التي قدمتها الحركة الإسلامية المغربية، والقدرة الاستباقية في تبني الخيارات التنظيمية والسياسية التي أهلتها لمواجهة استحقاقات المرحلة. - أما التجربة الجزائرية بمختلف مشاربها، فقد ركزت في قراءتها للنموذج المغربي على البناء الديمقراطي الداخلي وما يرتبط بتدبير معادلة الحرية والديمقراطية داخل التنظيم، وقدرة هذه المعادلة على تأمين وحدة الحركة وتقوية قدراتها الفكرية والتنظيمية وكذا مبادراتها السياسية - أما المكونات العلمانية واليسارية التي حضرت المؤتمر، فقد ركزت على الخطاب المدني والديمقراطي الذي أنتجه الفاعل السياسي الإسلامي في المغرب، لاسيما تبنيه للأدوات السياسية في الحقل السياسي وانشغاله بالتعاطي مع القضايا بمنظور السياسات العمومية، وليس بمنظور دعوي، ونجاحه في إنتاج صيغة التمايز المؤسسي والوظيفي بين الحركة الدعوية والحزب السياسي، وهي النقطة التي كانت محور تركيز العديد من الحركات الإسلامية التي حضرت المؤتمر، وعبرت عن الحاجة إلى تدارسها والنظر في إمكان نقلها إلى بقية المساحات العربية، مما جعل مدير مركز القدس السيد عريب الرنتاوي، يسجل التحول الذي حدث في فكر الحركات الإسلامية في المشرق، والتي كانت إلى عهد قريب – في مؤتمر 2005، و ومؤتمر 2006- تتحفظ من الجواب المغربي لعلاقة الدعوي والسياسي، فصارت بعد الربيع العربي أكثر حماسا لمدارسة هذا الجواب والإفادة منه. هذه بعض النقاط التي تم التوقف عندها في النموذج المغربي، وهي في معظمها تعكس انشغالات وهموم هذه الحركات أكثر مما تعكس هذا النموذج في مفرداته وأجوبته، وذلك بحكم التحديات التي تعيشها سواء على مستوى بنيتها التنظيمية أو على مستوى علاقاتها بمحيطها السياسي وتفاعلها مع مكوناته. ومع أن هذه العناصر تصب في خانة تثمين التجربة المغربية، والتنويه بنقاط قوتها، إلا أن الجانب الآخر من التقييم، والذي انصرف إلى بحث التحديات وأشكال تعاطي الحركة الإسلامية المغربية معها، كان له وزنه وحجمه، فقد تم التأكيد لاسيما من الجانب التركي على محدودية الرهان على البعد الإيديولوجي في الحفاظ على القاعدة الانتخابية أو توسيعها، والاتجاه بدل ذلك، إلى بناء هذه العلاقة على شرعية الإنجاز والمشاريع العملية التي تقدمها الحركة الإسلامية للشعب والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن التفاتا أوسع للشرائح الاجتماعية على التجربة كما ركز الأتراك على ضرورة القطع مع المنطق الطائفي الضيق في بناء الأداة الحزبية، وتوسيع بنية التنظيم بالانفتاح على أبناء الشعب بجميع مستوياتهم وذلك حتى يصير الحزب صورة مصغرة للشعب بكل تنوعه وثرائه، وبجميع طبقاته، وبحضور كثيف للنساء فيه.