كانت خاتمة زيارتنا لمنطقة نينشيا رحلة استجمام إلى البحيرة الرملية التي تقع على النهر الأزرق، لكنها مصحوبة بزيارة متحف خاص بالتعريف بالبحيرة وموقعها ومكوناتها وخيراتها وسمكها وطيورها وحيوناتها، فالمتاحف على ما يبدو أصبحت جزءا لا يتجزا من الحياة الثقافية للصين كما هو الشأن في كل الدول الكبرى التي تعتني بثقافتها وتراثها الطبيعي والثقافي والأركيولوجي وتجعل من المتاحف امتدادا للحياة المدرسية وورشا تطبيقيا للتعمق في علوم الأحياء والجغرافيا والتاريخ الأنتروبولوجي وتاريخ الثقافة والحضارة... تقع البحيرة على النهر الأزرق على بعد حوالى كيلومتر من مدينة نينشوان وسط صحراء وكتبان رملية كبيرة وشاسعة، تمتد على طول 45 كيلومتر في منطقة صحراوية لكنها وللمفارقة تحتوى على مناظر خلابة تجمع المياه والرمال والطيور والأعشاب التي هي ملاذ الطيور وأعشاشها اضافة الى جبال خمسة محاذية لها فكانت بحق كما يسميها الصينيون لؤلؤة نينشيان . غير أن يد الصينين أبت إلا أن تضيف مسحتها على هذا المخزون الطبيعي الذي حبا الله به هذه المنطقة فصارت تطورها كي تجعل منها موقعا سياحيا وتضع تصورات مستقبلية لتطويره كما يبين ذلك تخطيط وضع لهذا الغرض ، فضلا عن المتحف الذي يجمع عددا من التحف الثقافية والأركيولوجية وجانبا كبيرا من التوثيق والرسوم والمجسمات التي تساعدك على فهم المنطقة وخصوصياتها الجغرافية والطبيعية . على طول الطريق الذي قطعناه نحو البحيرة الرملية كان موكبنا، كما هي العادة، محاطا بكل الإجراءات التي تتم في مواكبة الوفود الرسمية فسيارة للأمن تسبقنا لفسح الطريق وعلى جنبي الطريق مهما بعدت المسافة وفي كل مفاصل الطريق الأساسية كان حضور رجال الأمن قويا وكأن لمنطقة نينشيا توصية خاصة بالعناية الخاصة بضيوف الصين حيث كان البروتوكول أكثر بروزا في نينشيا منه في بيكين وإن كان الاهتمام بنا في بيكين سيأخذ طابعا آخر . وما أن نقترب من مفترق طرق حتى ينتصب الشرطي ويتحول الى إشارة مرور جامدة يشير على السائق باتجاه المرور على الرغم من أن السائق يعرف اتجاهه جيدا . استقبلنا مدير المنتجع وبعد التحية والترحيب توجهنا في جولة سياحية داخل قارب حيث جلسنا على موائد صغيرة نستمع الى شروحات المضيفة. بعد النزول من القارب في جهة اخرى من شاطئ البحيرة نظمن لنا زيارة لمتحف البحيرة الذي يجسد كل مكوناتها الطبيعية من الطيور والأسماك التي تعيش فيها وبكل مظاهر تنوعها البيئي فضلا عن مجسمات لمجمل منطقة نينشيا حيث يظهر النهر الأزرق مخترقا للمنطقة وتظهر البحيرة بجبالها المحيطة ومدنها وأهم معالمها ومناطقها الفلاحية والصناعية. لم يكتب لنا أن نشاهد رأي العين طيور البحيرة لأن الموسم موسم هجرة، كما قد تكون اختفت عنا مظاهر اخرى من الحياة اليومية للصينيين سواء في الريف أو في مدينة نينشوان خاصة وأننا كنا نتحرك دوما في إطار موكب رسمي ولم يكن بإمكاننا أن نتحرك تحركا حرا داخل المدينة وبعد نهاية الجولة السياحية تناولنا وجبة الغذاء بمطعم في فندق فخم بجانب البحيرة. بعد الغذاء توجهنا صوب المطار فوجدنا في باب المطار مراسيم توديع شبيهة بمراسيم الاستقبال في قاعة الانتظار الشرفية تعرفت على سفير الامارات العربية المتحدة السيد احمد عادل البيطار الذي قدم لي التحية وعبر عن التقدير، كان السفير طيارا سابقا ويعرف المغرب وسبق ان حدثني عن صداقته للطيار المشهور القباج الذي كان يقود الطائرة الملكية التي تعرضت لاعتداء سنة 1970 كان الرجل مثقفا ويبدو أنه كان أستاذا زائرا بجامعة السربون، ودار بيننا نقاش عميق حول مفهوم الحضارة وربطها بالإسلام وبدا لي أن السفير رجل مثقف. ختامه مسك وبعد لحظة شعرت ان السيد عبد الرحمن يوشوي يريد ان يكلمني وانه سيلتحق بي في المطار . السيد عبد الرحمن هو رئيس جمعية مسلمي نينيشيا الخيرية ورئيس فخري لمجلس إدارة سان شيئان مدينة المسلمين العالمية ورئيس مجلس الإدارة لمعهد اللغات العالمية للمسلمين بنيغيشيا . كان السيد عبد الرحمن ينتظر ان يلتقينا في الزيارة التي كانت مقررة لمقر الجمعية لكن التغيير الذي طال البرنامج قد حال دون ذلك، فحرص على ان يلتحق بنا بالمطار وفي عجالة طرح على السيد عبد الرحمن ثلاث قضايا تتعلق الأولى بالاستثمار في المغرب حيث أكد أنه يعرف مسؤولا كبيرا عن شركة استثمارات في المشاريع الصغرى للحكومة الصينية في بيكين. وتتعلق الثانية ببحث امكانية إيفاد طلبة من منطقة نينيشيا الى المغرب لدراسة اللغة العربية والعلوم الاسلامية. اما الثالثة، فتتعلق بالتعاون في المجال الإعلامي من أجل التعريف بنيغيشيا وبالمسلمين بها . رحبت بمقترحاته على العموم وأكدت انه ينبغي ان نبقى على تواصل من أجل مواصلة البحث في السبل العملية لذلك حيث تبادلها عناوينها الالكترونية وتجاذبنا أطراف الحديث الى ان حان موعد انطلاق الطائرة ، وبعد حوالي ساعتين حطت بنا الطائرة على مدرج مطار بيكين لتبدأ تفاصيل فصل جديد في رحلتنا إلى الصين.