يعد المذهب المالكي- الذي اختاره المغاربة مذهباً لهم في الفروع الفقهية - من أبرز المذاهب الفقهية السنية التي أثرت في تاريخ الفقه الإسلامي تأثيراً بالغاً. ذلك أن الخصائص التي تميز بها، والأصول التي تفرد بها عن سائر المذاهب الفقهية الأخرى، أعطت للفقيه والمجتهد مجالا فسيحاً لإعمال العقل في النصوص الشرعية - قرآناً وسنة- بقصد استنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها على واقع الناس. بحيث ينسجم الواقع مع النص الشرعي ولا يتعارض معه. فما هي خصائص المذهب؟ وما هي أصوله التي تميزه عن غيره؟ قال الله تعالى: "وما كان المومنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون" سورة التوبة:123، وروى الترمذي في سننه قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزار وإسحق بن موسى الأنصاري قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة رواية: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو حديث ابن عيينة وقد روي عنه أنه قال في هذا: سئل من عالم المدينة؟ فقال: إنه مالك بن أنس. قال أبو الوليد الباجي في التعديل والتجريح : "قال أبو بكر سمعت يحيى بن معين وذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الابل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة" فقال بن معين: سمعت ابن عيينة يقول: نظن أنه مالك بن أنس. المذهب في اللغة: من الفعل ذَهَبَ الذي يدل على السير والمضي. وقد يكون السير حساً أو معنى. فالسير حساً واضح، أما السير معنىً فهو المعتقد والرأي الذي يذهب إليه. أما المذهب في اصطلاح الفقهاء فهو: ما ذهب إليه إمام من الأئمة فيما فيه حكم اجتهادي. أي: ما نهجه إمام من الأئمة فيما فيه اجتهاد. وبهذا المعنى تكون المذاهب الفقهية مناهج للاجتهاد، وطرق للاستنباط سلكها أئمة هذه المذاهب. وأغلبهم لم يكونوا ينصون على أصولهم المتبعة في تأصيلهم لها، وإنما نظر الاتباع من بعدهم بالاستقراء إلى كيفية اجتهادهم فحصل لهم اقتناع بأخذهم بتلك الأدلة، كما أن الأئمة المتبوعين لم يقوموا بدعوة الناس إلى الالتزام بما ذهبوا إليه، وإنما كان ذلك بالنظر إلى مكانتهم العلمية وتقديراً واعتباراً لآرائهم الدينية، فتكون بذلك مذهب كل إمام تأصيلا وتفريعاً. واختلاف أئمة المذاهب ليس مقصوداً لذاته، وإنما نشأ عن نظر وتبصر في الأدلة الشرعية التي أخذ بها كل إمام، فاختلفت بناء على المناهج والأنظار وتعددت المذاهب، وترتب عن ذلك كله اختلاف الفروع المبنية عليها بالتبع. فالمذاهب الفقهية في حقيقتها مبنية في أساسها على الاجتهاد، وهي مدارس قائمة بالذات متفرعة عن دوحة الشريعة الغراء، والاجتهاد أيضاً مبني على أصول هذه الشريعة. وأئمة المذاهب كانوا في الصدر الأول كثر. إلا أنه لم يكتب لمذاهبهم البقاء والاستمرار إلا لأربعة منها. هي: مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.