يوجد مسجد القنارية بدرب الجامع في الحي الذي يحمل نفس الاسم وهو أقرب حي إلى ساحة جامع الفنا الشهيرة، والقنارية مرادف لاسم نبتة الخرشوف وقيل نبتة القوق الذي كان سائدا زرعه في تلك المنطقة حيث كانت عبارة عن عرصة من عراصي مدينة مراكش، وقيل اسم طائر أصفر اللون مشهور بغنائه وألحانه العذبة وجمله الموسيقية التي لا تتكرر . وكانت العرصة في ملك شخص المسمى ولد الشراطي، ولما بني الحي بني المسجد. وذكر المؤرخون أمثال دو فردان وأبو القاسم بن أحمد الأندلسي أن الحي تأسس في عهد الموحدين . وقصته أن السلطان يعقوب المنصور الموحدي ذات يوم طبيبه ابن زهر وهو يتغنى شوقا لبلده وابنه ، فأمر أمهر البنائين بالإسراع في انجاز حومة طبق الأصل لحومة الطبيب في اشبيلية. وجامع القنارية نموذج من المساجد التي تم توسيعها ب"مبادرة السكان وتضحيتهم المالية" في ذلك العصر، بغية إقامة صلاة الجمعة فيه، ويعتبر من المساجد المتوسطة المشيدة على الشكل التقليدي المعروف بوجود بلاطات وأساكيب وصحن ونافورة للوضوء. ويقول المؤرخ المراكشي المؤقت: " ولم تكن تقام فيه الجمعة إلى عام 1261هأ/1845م، حيث اقرض أهل حومة ذلك من بيت المال، وأقاموا فيه الجمعة من ذلك الحين، وما فضل من وفر ذلك الجامع يدفعونه تقاضيا حتى تم القرض المذكور، وفي أيام المولى عبد الرحمان زيد فيه زيادة على يد القائد بوستة بمعاونة السكان. وافتتح للخطبة سنة 1848-1849م". تمتد مساحة المسجد إلى 360 متر مربع قادرة على استيعاب حوالي 800 مصلي رجالا ونساء، ويتكون المسجد من خمس بلاطات يتقدمها أسكوب مستعرض به عقود ذات أقواس تسير في اتجاه المحراب. اما صحن الجامع فهو يقترب من المربع تحيط به مجنبات، ويحتوي على نافورة للوضوء وشجيرات لتلطيف الجو في وقت الحر، فيما تغيب المراحيض. وزين جدار الصحن من الأعلى بقرمود أخضر أضفى عليه الطابع التقليدي القديم. عند زيارتنا له وجدنا منبرا صغيرا مخصص لإلقاء الدروس، ومنبرين كبيرين لخطبة الجمعة وقد زين أحدهما بنقوش جميلة وكتب عليه "لا غالب الا الله". يحتوي المسجد على أربعة أبواب، اثنان في الجهة الغربية ، واحد رئيسي والآخر للنساء ، وواحد في الجهة الشرقية، وواحد يخرج منه الإمام، وبه كتاب قرآني (حضار) لتعليم الصغار وتحفيظهم القرآن الكريم. اما منار الجامع فيوجد في الركن الغربي فوق الباب الرئيس، وهو بسيط وقصير جدا ومناسب لوجود الجامع بين المنازل وحتى لايمكن أحد من رمق النظر إلى الجوار . يعيش المسجد حاليا حالة من الإهمال الشديد وهو مغلق منذ اربع سنوات. وقد بادر السكان إلى ترميمه معتقدين أنه غير آيل للسقوط، لكنهم وجدوا عراقيل جمة.