الفقه لغة يظهر من خلال النظر في معاجم اللغة أن للفقه في اللغة معان ثلاثة: الفقه بمعنى: الفهم، ومنه قوله تعالى:»قالوا يشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز»سورة هود الآية: 91 الفقه بمعنى: العلم، ومنه قوله تعالى: وما كان المومنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون»سورة التوبة: 123 الفقه بمعنى: الفطنة والذكاء، ومنه ما ورد في الأثر أَنَّ حُذَيْفَةَ وَسَلْمَانَ رضي الله عنهما، قَالاَ لاِمْرَأَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ: أَهَاهُنَا مَكَانٌ طَاهِرٌ نُصَلِّي فِيهِ؟ فَقَالَتْ: طَهِّرْ قَلْبَك وَصَلِّ حَيْثُ شِئْت، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: فَقِهْت» ومن النكت التي نص عليها ابن حجر في المعنى اللغوي للفقه ما أورده في الفتح فقال: «يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم» الفقه اصطلاحا أشير هنا إلى أن المعنى الاصطلاحي للفقه قد عرف تطورا منذ ظهوره إلى أن استوى على سوقه، فقد كان يطلق في العصر الأول على: «علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستلاب الخوف على القلب». وعرفه أبو حنيفة فقال: «الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها». أي إن معنى الفقه ينصرف عند أبي حنيفة إلى أمور العقيدة والعبادة والأخلاق وهو يميز بينها بالكبر والصغر، فالفقه الأكبر عنده: علم العقيدة، وقد كتب في ذلك كتابا سماه: «الفقه الكبر»، والفقه الأصغر عنده: علم الفقه بمعناه عند المتأخرين. ثم نقل الفقه من هذا المعنى إلى معنى آخر، صاغه العلماء في تعريفات مختلفة أشهرها تداولا تعريف تاج الدين السبكي الشافعي الذي قال فيه: «هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية». وهذا التعريف تضمن معاني تفصيلية وهذا بيانها: فقوله: العلم: هو الإدراك مطلقاً الذي يتناول اليقين والظن؛ لأن الأحكام العملية قد تثبت بدليل قطعي يقيني، كما تثبت غالباً بدليل ظني. الأحكام الشرعية: جمع حكم، وهو مطلوب الشارع الحكيم، أو هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً. والمراد بالخطاب عند الفقهاء: هو الأثر المترتب عليه، كإيجاب الصلاة، وتحريم القتل، وإباحة الأكل، واشتراط الوضوء للصلاة. واحترز بعبارة «العلم بالأحكام» عن العلم بالذوات والصفات والأفعال. الشرعية: المأخوذة من الشرع، فيحترز بها عن الأحكام الحسية مثل: الشمس المشرقة، والأحكام العقلية مثل: الواحد نصف الاثنين. والأحكام اللغوية أو الوضعية، مثل: الفاعل مرفوع. العملية: المتعلقة بالعمل القلبي كالنية، أو غير القلبي مما يمارسه الإنسان مثل القراءة والصلاة ونحوها من عمل الجوارح الباطنة والظاهرة. واحترز بها عن الأحكام العلمية والاعتقادية، كأصول الفقه، وأصول الدين كالعلم بكون الإله واحداً سميعاً بصيراً. المكتسب: صفة للعلم، ومعناه: المستنبط بالنظر والاجتهاد، وهو احتراز عن علم الله تعالى، وعلم ملائكته بالأحكام الشرعية، وعلم الرسول صلّى الله عليه وسلم الحاصل بالوحي، لا بالاجتهاد، وعلمنا بالبدهيات أو الضروريات التي لا تحتاج إلى دليل ونظر، كوجوب الصلوات الخمس، فلا تسمى هذه المعلومات فقهاً، لأنها غير مكتسبة. من أدلتها التفصيلية: أي ما جاء في القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس. واحترز بها عن علم المقلد لأئمة الاجتهاد، فإن المقلد لم يستدل على كل مسألة يعملها بدليل تفصيلي، بل بدليل واحد يعم جميع أعماله، وهو مطالبته بسؤال أهل الذكر والعلم، فيجب عليه العمل بناء على استفتاء منه. بعض المراجع: إحياء علوم الدين، للغزالي والبحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين الزركشي، و الفقه الإسلامي وأدلته، لوهبة الزحيلي