تحل يومه 17 رمضان ذكرى غزوة بدر التي كانت معركة فاصلة فى تاريخ الدولة الإسلامية فقد انتصر الجيش الإسلامي على كفار قريش رغم فارق القوة والعدد والعتاد. وكان نزول الملائكه لتثبيت ومؤازرة المسلمين فى المعركة تأييدا من الله عز وجل للمسلمين فى معركتهم حيث كانوا على قدر المسؤولية. ومعركة بدر من معارك المسلمين الخالدة التي دارت رحاها في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان وهو شهر الجهاد والتضحية، والعز والتمكين، وشهر النصر. ومن معركة بدر تستخلص دروس للمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم. انتهت المعركة الفاصلة بنصر مبين للمسلمين، وهزيمة ساحقة للمشركين كما لحقتهم خسائر فادحة حيث قتل منهم سبعون وأسر سبعون أكثرهم من القادة والصناديد. وأما المسلمون فقد استشهد منهم أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقد تجلت نعمة الله على المسلمين في هذه الغزوة بالنصر والتمكين بعد الضعف، وبالأمن والطمأنينة بعد الخوف، وذلك فيما حكاه القرآن حيث قال تعالى «واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون» (سورة الأنفال:26). وانتصار المسلمين في شهر رمضان دليل على أن رمضان شهر الانتصارات وليس شهر الخمول والضعف. بدر يوم الفرقان كان يوم بدر فرقاناً بين مرحلتين من تاريخ المسلمين وتشريعهم، مرحلة الصبر على الأذى وتحمل الشدائد والصعاب، والصبر على التعذيب والإهانة، وبين مرحلة تشريع القتال وإيجابه ومشروعية تعقب أهل الكفر كما قال تعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير» (سورة الحج:39) ، وقال تعالى: «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» (سورة التوبة:25) ، وقال تعالى «فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون» (سورة التوبة:12) ، وقال تعالى «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة» (سورة التوبة:36) . ومعركة بدر كانت مثالاً رائعاً للشجاعة النادرة التي يبذلها أهل الإيمان ومن يوقنون بوعد الله تعالى وفي ذلك يقول الله تعالى «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم» (سورة التوبة:111). رمضان شهر الانتصارات تقول فاطمة النجار داعية بمساجد الدارالبيضاء في حديث ل«التجديد»: «رمضان في حس السابقين الأوائل كان شهر القوة وشهر الانتصار وشهر إجابة النداء، نداء الواجب لله بالصوم ونداء الواجب بأداء الأمانات والمسؤوليات. لذلك كنا نراه دائما وسيبقى كذلك شهر الانتصارات لأن المسلم لا يميز بين نداء العبادة وبين النداء الوطني وبين نداء الواجب لذلك حينما جاءت معركة بدر كنداء من الله العلي القدير للصحابة الكرام استجابوا وهم صائمون إنهم أجابوا لنداء العبادة ولنداء الحرب». وتؤكد النجار أن رمضان شهر الانتصارات بقولها: «شهر رمضان هو شهر الأنفس بحق يوقظ إيمانها ويوقظ احتسابها ويجدد مواثيقها لتنتصر من جديد على الضغط وتنتصر على الغرور وتنتصر دوما على التقاعس على أداء الواجبات لأن الأنفس في هذا الشهر تنفتح على رحمات العلي القدير. الأنفس خلال هذا الشهر تعلو على إغراء الفتن وترتقي إلى مستوى ما يريد منها ربها سبحانه وتعالى لتكون منتصرة على التراخي والتباطؤ. والأنفس في هذا الشهر يتضافر على بنائها القرآن بما أنه شهر إقرأ، وتعرض الأنفس على آيات ربها لترى أن مستقبلها ومستقبل آخرتها أن تكون منتصرة دائما، وأن تنتصر على الشرور والغرور ولا تستغني عن الله سبحانه وتعالى، وتبقى منتصرة على أخطائها وعلى عطالاتها بالانتقال إلى ساحة الجود لأن هذا الشهر هو شهر الجود بامتياز، الجود بالطاقة والجود بالقوة والجود بالمنافع، وبتسخير ما وهب سبحانه لخدمة الوطن.من هنا كان العمق في الصيام شهر الانتصار، والمسلم قد أعد أمره لكي يجيب أمر ربه». وتنبه فاطمة النجار إلى أن كون رمضان شهر الانتصار لا يعني فقط الانتصار في ساحة القتال وإنما هناك جوانب أخرى يحقق فيها المسلم انتصاراته وتقول بالمناسبة: «أمس حين كانت ساحة القتال أجاب المسلمون وحين تكون الساحة التي هي أكبر من القتال وهي ساحة الجهاد المطلق الذي به يتم تحرير النفس من الزور وأسر البخل و أسر الضعف، أو إجابة نداء إعمار الأرض ونفع العباد والبلاد، كل هذه عناوين يعلمها المسلم الذي يدرب نفسه تحت ظلال القرآن، ليعلم أن هذا الشهر لا عنوان له إلا الانتصار، فحينما يصوم المسلم من الصباح إلى المساء وقد أعلن توقفه عن الشهوات ليعلن توقفه عن كل ضعف وكل هزيمة حتى يلقى ربه سبحانه وتعالى». بدر مدرسة وأكدت فاطمة النجار أن معركة بدر التي كانت خلال رمضان من السنة الثانية للهجرة تبقى مدرسة للأجيال على مر الأزمان يتلقون منها دروسا وعبرا، وقالت النجار: «بدر التي ستبقى دائما منارة لحاضر المسلمين ومستقبلهم، وتبقى مدرسة بحق لبناء الأجيال المقاومة وبناء إنسان الواجب. الصحابة لما خرجوا إلى بدر كانت مفاجأتهم بعد اختبار إيمانهم بالانتصار، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتملى في قلوبهم فكان الحوار الرائع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وسعد حينما ينطق سعد بما في قلوب الصحابة وبما فيه دروس للمسلمين إلى قيام الساعة حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن آمنا بالله وأطعناه، يا رسول الله سر بنا حيث شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واطلب منا ماشئت، إنا لن نريك منا بإذن العلي القدير إلا ما تقر به عينك». وأضافت النجار أن: «هذه الوقفة من الصحابة الكرام تدل على المعدن النفيس الذي رحمت به الأمة، هذا المعدن النفيس الذي يستجيب للواجب مهما عظم ومهما ظهرت العقبات أمامه فالصحابة كانوا قلة ولم يكن من الزاد إلا القليل، لكن حين أنصتوا إلى نداء الواجب جمعوا قلوبهم بالصلاة والصوم وصدقوا بالتوكل على الله وكان النصر حليفهم، وبذلك أعطت بدر درسا بأن من وقف في صف المقاومة وفي الصف القوة جعل الله ما يحيط به من أدوات وآليات كلها نصر. لقد نصر الصحابة بثبات الأقدام وبالملائكة وبالرعب الذي زرعه في قلوب الأعداء، وكل هذه المؤيدات تبقى خالدة لكل مسلم يستنصر بالله ويثق به. وتبقى موقعة بدر معلمة دالة على أن المسلم يجب أن يبقى واقفا في صف الحق آخذا بأسباب النصر والتمكين صادقا حتى يتم تثبيته. ومعلمة بدر تجعلنا نقرأ أي صيام لنا في المستقبل؟ إنه صيام القوة وصيام الإنابة والتوكل على الله وصيام الوقوف على