قل هو من عند أنفسكم ورد في كتاب الله سبحانه حديث مفصل عن غزوة أحد في ستين آية من سورة آل عمران، وورد في السيرة النبوية حديث مفصل عن هذه الغزوة ومفادها أن الصحابة انتصروا في بداية المعركة، لكن الرماة الذين كلفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء على جبل الرماة حتى نهاية المعركة عصوه رغبة في جمع الغنائم التي غنمها المسلمون في بداية المعركة، وبتركهم مواقعهم تنبه أحد قادة المشركين آنئذ وهو خالد بن الوليد فالتف هو ومجموعة ممن معه على المسلمين من الخلف، وقضى على ما بقي من الرماة وهم قلة فكانت الهزيمة، فقال المسلمون أنى هذا، أي من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل، ونحن نقاتل في سبيل الله، ونحن مسلمون، وفينا النبي والوحي وهم مشركون فقال لهم الله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) وذلك حينما خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وما من قوم أطاعوا نبيهم في حرب إلا نصروا، لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، قال تعالى في ذلك: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم، إن الله على كل شيء قدير) 165 آل عمران. إن خير الناس صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن سنة الله وقانونه لم تحابيهم ولم تعذرهم، إذ مخالفة أمر الرسول كانت نتيجته الهزيمة وحب الدنيا كانت نتيجته خسران المعركة، ولقد خلد القرآن ذلك في قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) آل عمران 152. رب سائل أو متسائل حائر يقول مع نفسه أو يقول بصوت عال كيف هان المسلمون اليوم وهم مليار واستأسد اليهود أحفاد القردة والخنازير وهم قلة؟ كيف ننهزم الهزيمة تلو الأخرى في مواجهة اليهود، حتى أضحى الاستسلام هو قصارى ما نفكر فيه، ونجتهد في تبرير موقفنا الاستسلامي تارة بالكتاب والسنة وتارة بالرأي والمنطق السياسي وتارة بالظروف الاقتصادية وأخرى بالضعف العسكري؟ كيف أصبح اليهود أحسن الأمم؟ وكيف أصبح أحرص الناس على أي حياة وأهون الخلق وأسوءهم، أصبحوا سادة يتربعون على رقاب المسلمين يذبحون أبنائنا ويستحون نساءنا ويدنسون مقدساتنا ويساوموننا على حقوقنا، يأخذوا منا ما شاؤوا ويعطوننا ما أرادوا. إن الجواب على هذه التساؤلات جواب واحد لا ثاني له ولا ثالث هو قول الله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم) آل عمران 165، هو من عند أنفسنا التي أحبت الدنيا ومتاعها وكرهت الآخرة ونعيما، عملت للدنيا كأنها تعيش أبدا وما عملت للآخرة كأنها تموت غذا، جعلت الدنيا أكبر همها ومبلغ علمها وغاية رغبتها، اتبعت شهواتها وملذاتها، فهانت على نفسها ثم هانت عند الله وعند الناس أجمعين. إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم تصيبهم الهزيمة في معركة أحد بسبب معصية واحدة من عدد قليل منهم، وهم الرماة، فإن زماننا عرف المعاصي المتعددة حتى أضحى المنكر معروفا والمعروف منكرا، ثم إن المعصية لم تعد القلة هي الواقعة فيها، بل أكاد أجزم أن القلة القليلة هي القابضة على الجمر في زمن أصبح القابض على دينه فيه كالقابض على الجمر، وأصبح المؤمنون القلة غرباء كديدننا في أمتنا، فالفتاة المحجبة والشاب الملتحي والرجل المصلي والتاجر الصدوق والعامل ورب العمل، كل هؤلاء وألئك تكاد لا تجد الصلاح فيهم وفي أعمالهم ومهامهم إلا قليلا. أما الوجه الآخر للهزيمة فهو التشرذم والانقسام والتدابر ونصب العداء لبعضنا البعض، إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، إن على مستوى الشعوب داخليا أو الحكومات العربية والإسلامية في ما بينها، والله عز وجل يوجه المؤمنين إلى التعاون والتآخي والتآزر وأن ينصر بعضهم بعضا ،قال سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة2 وقال عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات ويقول الله كذلك: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة 71 ولقد نهانا الله عز وجل أن نتخذ الكافرين أولياء نحبهم وننصرهم ونطلب نصرتهم ونتعاون معهم وهم يحاربون إخواننا المؤمنين، قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) الممتحنة. ويقول الله عز وجل: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) المائدة 82. اليهود الذين يذبحون إخواننا المسلمين والعرب في فلسطين هم الذي يمدون أياديهم للتعاون معنا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.. يمدون أيديهم ومع أننا نراها ملطخة بدماء الشهداء والمجاهدين نمد لهم أيدينا ونفتح لهم أسواقنا التجارية على مصراعيها ليجمعوا الأموال الكفيلة بقتل المزيد من إخواننا، وفي المقابل نفتح لإخواننا الفلسطينيين أبواقا من النصر بالكلام والتعاون الضعيف ونسلم رقابهم للجزار شارون تارة وباراك أخرى، ونسينا أن اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا في فلسطين كما في المغرب. إن التغلغل الصهيوني ماض في اقتصاد بلدنا بصمت، حتى لا يثير الشعوب الغيورة على دينها ولكن أصحاب الشركات والأموال التجارية يتعاونون مع الصهاينة رغبة في الربح وكسب المال دون اكتراث بمصير إخواننا في فلسطين، عباد الله أيها المسلمون إن التعامل مع اليهود الغاصبين والصهاينة المعتدين مما حرمه العلماء في زماننا لما فيه من إعانة لهم على مزيد من تقتيل إخواننا والمد في عمر الاستعمار الصهيوني لفلسطين، وتدنيس أطهر بقعة في الأرض بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي وهي أرض المسجد الأقصى. ومن مظاهر العزة والكرامة للأمة أن الرسول صلي الله عليه وسلم بشرنا بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وأن طائفة من المؤمنين لا تزال قائمة على الحق المبين لا يضرها من خالفها إلى يوم القيامة، ولله الحمد أن قيض لفلسطين من أبنائها من يدافعون عن المقدسات ويسمعوننا كل يوم أخبار النصر المبين، ويعلموننا دروسا في طلب الشهادة والاستشهاد، ويذكروننا بموعود الله الذي لا يتخلف: (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) البقرة 214. عبد الجليل الجاسني