تيسير ابن حمدان سليمان، أسير قسامي محرر ضمن صفقة الوفاء للأحرار، التحق بكتائب عز الدين القسام وأسسها بمدينة القدس الشريفة، رفقة ثلة من المجاهدين وهو ابن 16 ربيعا، شارك في عدة عمليات للمقاومة، أبرزها خطف وقتل الجندي الصهيوني «يارون حيمس» قرب رام الله في يوم 6 غشت 1993، آمن بان المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير فلسطين، فأدى الثمن غاليا، وقضى 16 سنة أسيرا لدى قوات الاحتلال الصهيونية، قبل أن يأتي الفرج على يد المقاومين، حين اسروا الجندي الصهيوني «شاليط». آمن تيسير سليمان بفكرة ومنهج جماعة الإخوان المسلمين، حين كان يدرس بمدرسة الأقباط، وكان فيها من يحمل أفكار جماعة الإخوان المسلمون وينشر تصوراتهم ومراجعهم. واعتبرت مرحلته الثانوية هي بداية العضوية الرسمية داخل جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وكان من أصغر العناصر داخل الحركة في مسجد بيت حنينا. الأسير المحرر، التقته «التجديد» على هامش مؤتمر ربيع الوعي بإسطنبول شهر يونيو الماضي، وأجرت معه حوارا حول وضع المقاومة وواقع أسرى القضية الفلسطينية بسجون الاحتلال، والبدايات الأولى لكتائب القسام في القدس الشريف. ● من هو تيسير الأسير المحرر؟ ❍ يسير ابن حمدان من عائلة الصبيح في القدس، عمري 38 سنة، ربنا أكرمنا أنه جعلنا من أهل المسلمين من أهل الرباط في فلسطين، وجعلنا من أهل الجهاد وأكرمنا أن جعلنا من مؤسسي كتائب عز الدين القسام بالقدس، وأكرمنا وجعلنا من الذين صبروا وخرجوا من سجون الاحتلال بقوتهم وعزتهم، فالسجن هو المكان الذي يفتن فيه الرجال، فالحمد لله رب العالمين أسسنا كتائب القسام في الضفة والقدس ونسقنا مع إخواننا في غزة وبالخارج، الكتائب التي استطاعت خلال 23 سنة الماضية أن تعيد دفة المقاومة إلى مكانها الصحيح بلغتها الإسلامية الصحيحة. ● وماذا عن مسيرتكم الدراسية؟ ❍ أنحدر من البلدة القديمة بالقدس الشريف، درست في مدارسها الخاصة التابعة لإخواننا النصارى، أنجزت المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحصلت على بعثة الدراسة، ولكن لم أتمكن من السفر بسبب اعتقال إخوتي، تخرجت من الثانوية العامة والتحقت بقسم الصحافة والإعلام بالقدس، وتخرجت منها بالمراسلة وأنا بالسجن. ● كيف كان التحاقكم بكتائب القسام؟ ❍ نحن جزء من حركة الإخوان المسلمين، في الانتفاضة الأولى أصبحنا جزءا أساسيا من حركة المقاومة الإسلامية حماس، وطُلب منا في فترة من الفترات أن نكون جزء أساسيا في تشكيلة الجهاز العسكري، بعد ذلك تم تسمية الجهاز باسم كتائب عز الدين القسام، وطلب منا في القدس أن نشكل المجموعة الأساسية للكتائب، وفعلا تم تأسيس المجموعة التي شاركت في عمليات مميزة وعلى رأسها خطف جنود الاحتلال. ● وماذا عن البدايات الأولى لكتائب القسام بالقدس الشريف؟ ❍ الجهاز العسكري طلب منا تنفيذ عمليات عسكرية باستخدام ما يمكن من أسلحة ضد إسرائيل، فكانت البداية بالعبوات الناسفة والأسلحة القديمة، بعض الأسلحة التي قاتلنا بها كانت من مخلفات الحرب العالمية الثانية، أنا شخصيا حملت قطعة سلاح ورميت بها النار على جنود الاحتلال، وأخذت غنائم من أسلحتنهم كان مكتوب عليها سنة 1917 و1920 وكذا 1930، آخر قطعة كانت متطورة كتب عليها سنة 1938. ● من أين كان يأتيكم العتاد العسكري؟ ❍ كنا نأخذها من العملاء أو من معسكرات جيش الاحتلال بطريقتنا الخاصة، وهناك جزء من العائلات المقدسية تملك الأسلحة، واستطعنا أن نحصل على بعض من هذه الأسلحة بدأنا بها المعركة، كما أن جزء مهما من الأسلحة كانت تأتينا عن طريق التهريب، واستطعنا في النهاية أن نؤسس لعمل عسكري من لاشيء، لنؤسس لشيء عظيم، وباسم الله ما شاء الله أصبحت كتائب القسام جيش يحسب له الحساب في أي معركة، والكتائب علمت الاحتلال كيف تربيه، والحمد لله المعركة الأخيرة التي كانت قبل أيام، أدركت معها قوات الاحتلال كيف تكون الضربات القسامية نوعية ومتميزة دون أن يصاب منها عنصر واحد. ● حدثنا عن مشاركاتك في عمليات المقاومة ضد الاحتلال؟ ❍ شاركت ثلاث مرات في عمليات أساسية ضمنها عملية أسر جندي إسرائيلي، اختطفناه فأسرناه ثم نفذ عليه الحكم الذي قررته كتائب القسام، وشاركت أيضا في عملية قتل ضابط إسرائيلي من كبار ضباط المنطقة، ثم في عملية أخرى لأسر مجموعة من الجنود والمستوطنين في القدس أثناء عملية مرج الزهور، هي إذا ثلاث عمليات نوعية جرت خلال السنوات 1990 و 1992 ثم 1993. ● كم قضيت مع الكتائب قبل أن تعتقل؟ ❍ تقريبا ثلاث سنوات، بعدها جاء الاعتقال وعمري لم يتجاوز 19 سنة، ببساطة من يعمل سيترك آثارا، فبعد الإعلان عن عمليات تنفذها كتائب القسام، بدأت عمليات اعتقال واسعة، من قطاع غزة إلى جنين، وكانت هناك مراقبة دقيقة للمجموعات وشاءت الأقدار أن أكون بينهم. ● متى اعتقلت؟ ❍ في شهر شتنبر 2009، وتعرضت للتحقيق لفترات طويلة استمرت ثلاث أشهر، ثم تم عرضي على محكمة مدنية، بحكم أنني أحمل الهوية الزرقاء، فصدر حكم من المحكمة المركزية بالمؤبدات. ● كيف كانت ظروف الاعتقال داخل السجن؟ ❍ ظروف الاعتقال والله كانت معركة داخل السجون، هناك من يقاتل بالرصاص والعبوات، أما داخل السجن فالمعيار هو الصبر والتحدي، نحن نقول في فلسطين، من السهل جدا أن تمسك بالسلاح لتطلق النار، لكن المعركة تبدأ عندما تطلق النار، كيف تصمد على أن تقول نعم أنا مع المقاومة وأنت لا تملك سلاح، لأنه دائما المكان الذي يبنى فيه الرجال وتعد فيه المقاومة والكوادر التنظيمية، ويبنى فيه الفكر ويأدلج فيه الأفراد هو المعتقلات، ونحن بحماس والحركة الإسلامية والمقاومة الفلسطينية، استطعنا أن نجعل من المعتقلات نقطة أساسية للانطلاق، فكثير من أبطال انتفاضة الأقصى وشهدائها وقادتها هم من كانوا أشبال في الانتفاضة الأولى، وعندما كانوا يخرجون من السجن يقولون أمامنا مشوار علينا أن نكمله، هذا من ناحية، أما من ناحية الحياة في السجون، فنتكلم عن أمر صعب جدا، لا من ناحية الإهمال الطبي أو التغذية أو التعذيب، فأحد الإخوة كان معنا خلعت جميع أسنانه بسبب مرض في الشبكة العظمية، خمس سنوات وهو لا يستطيع أن يأكل إلا السوائل، واستطعنا بتركيا خلال ثلاث أسابيع معالجة شاملة لمشكلته الصحية، فهي مسألة إهمال طبي، كثير من الإخوة ماتوا بسبب أمراض لا نعرفها، جزء منها فقد البكتريا في الأمعاء، ومنها جلطات دماغية أو أمراض السرطان، فالحياة داخل السجن هي عبارة عن معاناة حقيقية مستمرة، تستمر ليست باليوم أو الساعة أو الدقيقة، بل بالثانية، كل يوم وكل لحظة عندك معارك أحيانا يكون الهاجس هو كيف تصبر عائلة المعتقل مثلا، أو المعتقل ذاته، فالحياة بالسجن هي معاناة، لكن استطعنا بتوفيق من الله جعلها عبارة عن مشعل للنور للجميع، وانتفاضة الأقصى هي ثمار لأبنائنا في السجون، أحد الإخوة قعد بين الاعتقال الأول والثاني، بين الانتفاضة الأولى والثانية ستة أشهر فقط، وكان الاعتقال بتهمة قتل 36 من المحتل، عندما سألته وقلت له بسرعة رجعت، قال، «استطعت أن أنفذ ما تعلمته بالسجن خلال ستة أشهر»، وهذا ما نريده، أن نحول دائما المحنة إلى منحة نخرج فيها الكوادر. ● ماذا عن وثيقة الأسرى، هل شاركت في إعدادها؟ ❍ أرد عليك بكلام أحد الصحفيين الإسرائيليين، قال الذي أخشاه من الشعب الفلسطيني هم المعتقلين الفلسطينيين، لأنهم يعرفون اللغة ويعرفون تحليلها ويعرفون ماذا يريدون، وقدموا رصيدا يثبت أن ما قالوه فعلوه. وثيقة الأسرى شخصيا كان لي التحفظ على جزء منها، لكن دعني أقول أن الهم الأساسي كان عندنا كفلسطينيين، هو الإجابة عن سؤال، «إلى أي حد نحن الفلسطينيين نتوحد على قاسم مشترك»، وثيقة الأسرى كانت جزء من هذا التحدي، مع التحفظ على أجزاء منها لأنها في النهاية هي قاسم مشترك، فالأسرى أكثر اطلاعا على تفاصيل القضية الفلسطينية ولهم رؤى وهم الأكثر اهتماما بشؤون الحياة، وعندهم الوقت للتفكير والنقاش في عدد من القضايا، فالأسير لا يفكر بالأكل والشرب لأن الله عز وجل قد كفاه، لكن يفكر بما يهم قضيته الفلسطينية. ● وجاءت صفقة شاليط؟ ❍ نحن نحب أن نسميها بصفقة الوفاء للأحرار، وهذا هو اسمها الحقيقي، الكثير من الإخوة يعرفون الصفقة بصفقة شاليط، لكن هذا الجندي الذي كان يقصف غزة بالمدفعية والدبابة والحارقة، كان جندي يطلق النار وأسر في معركة وهذا طبيعي، أما إن تكلمنا عن سلسلة أسر الجنود، فهو الأسير رقم 20، نحن في الحركة الإسلامية استطعنا خلال 34 سنة تحت لواء حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن نأسر من الجنود 24 جندي، شاليط كان رقمه 20، فقرار من الحركة أن لا يخرج أسرانا من السجون إلا من خلال عمليات مميزة، أما كيف خرجنا، فخرجنا بعد خمس سنوات ونصف من ثبات إخواننا على مبدأ لا يخرج أسرانا إلا أسر جنود، وأخرجنا أنعم الله علينا. ● الانقسام ودور الأسرى في توحيد الصف الفلسطيني؟ ❍ علينا أن نتحدث بلغة واضحة، أنا كفلسطيني أتحدث عن فلسطين، لكنني لن أنسى لهذه الحركة الإسلامية أنها علمتنا كيف نصبر وكيف نقاوم، أما بخصوص الانقسام لو نظرنا لجميع شعوب العالم وحركات التحرر بالوطن العربي، نجد عندها انقسامات في التفكير والتحليل، ونحن نقول الآن باستطاعتنا كشعب فلسطيني أن نوحد أنفسنا خلف المقاومة، لان المقاومة هي التي تعيد لنا الأرض، سنوات من الحوار والتفاوض مع الجانب الإسرائيلي، هل غيرت لنا شيء؟، هل قدمت لنا شيء؟ بالتأكيد لا، فالتوحيد والإجماع يكون حول المقاومة وأساليب المقاومة وشروط المقاومة، البعض يتكلم عن المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية، كل هذه أسميها شيء واحد، وهو المقاومة من أجل إخراج المحتل. ● قضية الأسرى هل انتهت بعد صفقة شاليط؟ ❍ صفقة الأسرى أخرجت 550 بالدفعة الأولى و450 بالدفعة الثانية، لكن هناك بالأسر 5000 أسير لم تنتهي معاناتهم بعد، ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال. اليوم أرى أن المقاومة والوضع الفلسطيني في وضع جيد، لكنني أرى انه دائما علي أن أفكر بطريقة استراتيجية، ليس مطلوب مني دائما أن أطلق الرصاص، علي أن أطلق الرصاص في وقت مناسب، ليس شرط أن أطلق دائما القذائف، لكن علي أطلقها في الوقت المناسب، إذا كنت متميز عليك أن تكون معد جيدا للمعركة. ● ماهو دور الأسرى المحررين اليوم وخاصة المبعدين؟ ❍ أراد الاحتلال بإبعادنا خارج فلسطين أن يجعلنا بعيدين عن الواقع الفلسطيني لأنهم يقولون أننا نؤثر على الناس بعبارة «قدمن رصيد وهو المقاومة، عشنا في السجن سنوات وكنا صامدين»، واستطعنا أن نخرج ونحن نحمل نفس التفكير الذي دخلنا به، هم أرادوا أن يخرجوننا ويجعلون مبعدون عن وطننا، ونحن الآن نسخر ما تعلمناه من أجل أن نخدم وطننا وبعدة أشكال، والجزء الأساسي منه أن نشرح معاناة أهلنا، القضية الفلسطينية هي قضية ناجحة بامتياز، لكنها تحتاج محامي جيد حتى ينجح فيها، خلال الفترات السابقة كان بالمحامي خلل نقر به، الآن نطمح بإذن الله وتوفيقه أن كون ذلك المحامي المتميز الذي يدافع عن قضيته بكل أبعاده، لكن البعد الأساسي أنه بغير المقاومة لن يكون هناك تحرير للقضية الفلسطينية، كما أخرجنا من السجون بالمقاومة، وحررت غزة بالمقاومة ينتظرنا شوط طويل فالقدس أمامنا، القدس مثل ساعة الرمل، كل يوم نبتعد عنها نفقدها أكثر، ونحن نتحدث عن فلسطين كل فلسطين وعن الأسرى والمبعدين الذي يجب أن يكونوا خير محامي. ● هل تحن إلى العودة للمقاومة، وإلى كتائب القسام؟ ❍ لا يوجد أجمل من أن تدافع عن وطنك، الشيء الجميل أنك تبذل كل شيء من أجل وطنك عندما تخرج من السجن، فعندما تخرج في عملية وتطلق الرصاص فأنت لا تطلقه إلا أملا في تحرير وطنك، ومن أجل كرامة والدك وأمك وأختك وزوجتك بالحاجز، من أجل استرجاع الحد الأدنى من حقك، فالحد الأدنى من حقك أن تعيش حرا، ونحن في فلسطين نعشق الحرية، وإذا كانت المقاومة هي الطريق إلى الحرية فنحن نعشق المقاومة.