بعد خمس سنوات من وقوع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في الأسر من طرف حركة حماس، توصلت حماس والحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو إلى صفقة، تم بموجبها الاتفاق على مقايضة إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، شاليط، مقابل الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا، يقبعون منذ فترة طويلة في سجون الاحتلال، من بينهم 315 سجينا محكومين بالمؤبد. خمس سنوات من الأسر في مكان سري لم تستطع أفضل المخابرات العالمية الوصول إليه. خمس سنوات رافقتها حملة إعلامية مكثفة من باريس إلى نيويورك من أجل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الفرنسي جلعاد شاليط. إنها أيضا خمس سنوات من المفاوضات العسيرة بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق مرضي للطرفين في ظل تصلب موقف كل منهما، والنتيجة هي الصفقة الأكثر «سخاء» في تاريخ تبادل الأسرى بين الدولة اليهودية وجيرانها العرب، حيث تم تبادل العريف شاليط ب 1072 أسيرا فلسطينيا. يتعلق الأمر بثامن تبادل أسرى يتم قبوله من طرف إسرائيل منذ سنة 1974. وفي الوقت الذي أسر فيه معظم الجنود الإسرائيليين حتى الآن في لبنان، يعد شاليط الأول الذي تم أسره في الأراضي الفلسطينية، وبالتالي كان موضوع مفاوضات مباشرة بين إسرائيل ومجموعات فلسطينية. وتعليقا على هذه الصفقة التي وصفها كثيرون ب«التاريخية» بالنظر للعدد الكبير للأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم مقابل جندي إسرائيلي واحد، ولكون من بينهم معتقلون ذوو أحكام عالية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إن أسرة شاليط التأم شملها بعودة الجندي جلعاد إلى منزله بعد أكثر من خمس سنوات في الأسر. وأضاف نتنياهو أنه كانت هناك مهمة ينبغي إنجازها وهي إعادة شاليط سالما معافى إلى أسرته، وهي مهمة انطوت على قرار صعب للغاية، حسبه. وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن حركة حماس تراجعت عن قرار عدم الإبعاد لمن وصفهم «القتلة الكبار» عن الضفة الغربية، وهو الأمر الذي سهل مهمة التوصل للاتفاق، من خلال حصول إسرائيل على مطالبها في هذا الخصوص. أما شاليط فبدا مرهقا شاحبا، متقطع الأنفاس في مقابلة أجراها التلفزيون المصري معه، بعد وقت قليل من قيام حماس في غزة بتسليمه للمخابرات المصرية، حيث شكر كل من عملوا للإفراج عنه، وقال إنه لم يبلغ بقرب إطلاق سراحه بعد خمس سنوات من الحبس الانفرادي إلا في نفس الوقت تقريبا الذي أعلنت فيه أنباء الاتفاق. وأضاف شاليط: «كانت سنوات طويلة... لكنني اعتقدت دائما أنه سيأتي اليوم الذي أخرج فيه من الأسر في النهاية». نتائج الصفقة لاقت صفقة شاليط ارتياحا من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، وأيضا في البلدان العربية، حيث اعتبرت انتصارا كبيرا لحركة حماس على حساب فتح، رغم أن بعضهم تساءل عن أسباب تراجع حركة حماس عن مطالبها التي تقدمت بها في أوقات سابقة، والمتمثلة في ضم أسماء القائد الفتحاوي، مروان البرغوثي وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات ضمن قائمة المفرج عنهم. لقد وجد هؤلاء في ما أقدمت عليه حركة حماس إنجازا منقوصا، وتراجعا عن الوعود التي قطعتها الحركة على نفسها بعدم الإفراج عن شاليط ما لم تتضمن الصفقة الإفراج عن جميع القادة الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. أما على الجانب الإسرائيلي فرغم أن الإفراج أخيرا عن الجندي شاليط قد لاقى ترحيبا كبيرا فور الإعلان عنه إلا أن رغبة بعض الفلسطينيين في خطف جنود آخرين لتكرار مثل صفقة شاليط الرابحة من جهة، ومن جهة أخرى المعارضة الشديدة التي أبداها العديد من قوى اليمين الإسرائيلي قد دفعت الصحف الإسرائيلية إلى اعتبار صفقة شاليط ستؤثر سلبا على محادثات السلام بين البلدين. وفي هذا الصدد، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» إن حركة حماس حققت العديد من المكاسب بإبرام صفقة شاليط ولكن هذه المكاسب ستزول سريعا. وأضافت الصحيفة أن الرأي العام الفلسطيني والعالمي سينسى تلك المكاسب كما هو حال المكاسب السياسية التي حققها الرئيس الفلسطيني أبو مازن بتقدمه لعضوية فلسطين للأمم المتحدة. ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الفلسطيني مخيمر أبو سعدة قوله: «منذ 20 يوما فقط اكتسب أبو مازن شعبية كبيرة بعد خطابه في الأممالمتحدة و لكن لا أحد الآن يتحدث عن ذلك الخطاب وعن طلب السلطة الفلسطينية.. نفس الشيء سيحدث مع حماس». ونقلت الصحيفة عن محللين إسرائيليين وفلسطينيين قولهم إن حماس ستستغل الصفقة على المدى القصير في ضم عناصر جديدة لها عن طريق بث رسالة أنها أثبتت قدرتها على استعادة الأسرى وحمايتهم من العدو الإسرائيلي، ولكنهم ينسون أن هؤلاء الأسرى سيعودون ليس إلى غزة بل إلى الضفة الغربية التي عملت القوات الإسرائيلية وحركة فتح فيها على تقويض أي شعبية أو نفوذ للحركة. تفاصيل الدقائق الأخيرة ما إن وصل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط إلى صالة الوصول المصرية في معبر رفح الحدودي صباح الثلاثاء الماضي برفقة القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبري، حتى تسلمه الوفد الأمني المصري فتناول شاليط كوبا من الماء وبدأ يلتقط أنفاسه. ورافق الجعبري، وهو أبرز القادة العسكريين في حماس ويطلق عليه لقب «الجنرال أو رئيس أركان حماس»، شاليط إلى المعبر برفقة 15 مقاتلا من وحدة كوماندوس تابعة للقسام. وشوهد شاليط في سيارة بيضاء من نوع تويوتا «ماجنوم» بعد أن اصطحب من مخبئه الذي لم يكشف عنه، إلى الجانب المصري من المعبر. وبينما كان التوتر سيد الموقف في اللحظات الأخيرة لوصول شاليط، كان وكيل جهاز المخابرات المصرية اللواء رأفت شحادة بصحبة اللواء نادر الأعصر والعميد أحمد عبد الخالق، في استقبال شاليط، فاصطحبوه إلى مكتب يتبع للأمن القومي المصري على المعبر. وقال مصدر فلسطيني مطلع، إن المسؤولين المصريين الثلاثة تسلموا رسميا شاليط فور وصوله، في حوالي الساعة العاشرة صباحا، إلى الجانب المصري من المعبر الذي خلا من موظفيه استثنائيا، بينما لم ينقطع الاتصال بين الجانبين المصري والإسرائيلي خلال مراحل تنفيذ عملية الاستلام. ويقول المصدر نفسه إن الجعبري أمر بعد وصوله إلى الجانب الفلسطيني من المعبر بكوب من الماء وقطعة بسكويت لشاليط الذي كانت تبدو عليه علامات الاستغراب والتعب. وبعد أن شرب شاليط قال الجعبري «الحمد لله ..نريده بصحة جيدة»، في إشارة إلى حرصه على تسليم شاليط بصحة جيدة للتمكن من استكمال الصفقة. وأوضح صحفي في وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، الذي شاهد جزءا من عملية تسليم شاليط، أن مندوبين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر قاموا بفحص شاليط طبيا، ووجهوا له أسئلة عدة «للتأكد من أنه بصحة جيدة» ثم سمح لمراسلة التلفزيون المصري بحضور مراسل الوكالة المصرية بإجراء مقابلة صحافية قصيرة مع شاليط. ولما وصل موكب شاليط كان متواجدا على الجانب المصري من المعبر وفد من حماس برئاسة موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة لاستقبال الأسرى المحررين. وهم شاهدوا شاليط إلا أنهم لم يصافحوه. وكشف المصدر أن ضابطا إسرائيليا كبيرا يعتقد أنه ديفيد ميدان مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي «تمكن من مشاهدة شاليط شخصيا ومصافحته في منطقة تقع بين معبري رفح وكرم أبو سالم «كيرم شالوم» الحدوديين، بينما كانت عناصر القسام لا تزال في المنطقة ذاتها. وقال الصحافي المصري صلاح جمعة إن مسؤولا سياسيا في حركة حماس «أكد أن إسرائيل اشترطت رؤية شاليط قبل نقل أي أسير للأراضي المصرية، واشترط الجانب الفلسطيني أن يكون في المكان للاطمئنان». وأوضح مصدر فلسطيني مطلع أن شاليط «نقل إلى الجهة المصرية من معبر رفح في عملية معقدة وسرية فيها الكثير من التمويه» دون مزيد من التفاصيل. وخرج شاليط من السيارة وإلى جانبه الجعبري بلباس مدني كعادته فسلمه بيده إلى المسؤولين المصريين الأمنيين الكبار في منطقة المعبر. وكان شاليط يرتدي قميصا أبيض مخططا باللون الأزرق وسروال جينز وطاقية سوداء إضافة إلى حذاء رياضي أبيض، ولم يبدل شاليط ملابسه إلا في الجانب الإسرائيلي حيث ارتدى البزة العسكرية. وكان مصور فيديو ملثم بزي عسكري مع عناصر القسام يوثق كافة التفاصيل المتعلقة بنقل شاليط وتسليمه. وذكر المصدر أن اسرائيل بدأت بنقل نصف الأسرى الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية عبر كرم أبو سالم والى الضفة الغربية بعد رؤية الضابط لشاليط مباشرة، فيما تم استكمال العملية عندما أصبح شاليط في أيدي الجانب المصري الذي بدوره سلمه للمسؤولين الإسرائيليين عند النقطة الحدودية. وبعد أن اتصل الضابط الإسرائيلي بمسؤوليه في إسرائيل غادر الجعبري ومساعدوه ومرافقوه المكان. وقال المصدر المطلع إن الهواتف النقالة عطلت تماما خلال عملية تسليم شاليط. فيما كانت سيارة إسعاف مصرية تقف في المكان إلى جانب عناصر فرقة كوماندوس مصرية مدججين بالسلاح انتشروا على المعبر. وتنص صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل التي رعتها مصر على إطلاق شاليط مقابل إطلاق إسرائيل سراح 1027 أسيرا فلسطينيا من بينهم 27 امرأة، على أن يتم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين على دفعتين، الأولى تمت الثلاثاء وتشمل 477 أسيرا تقرر إبعاد 40 منهم إلى الخارج (تركيا وقطر وسوريا) وترحيل 163 من سكان الضفة إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، في حين يفترض الإفراج عن الدفعة الثانية التي تضم 550 أسيرا في غضون شهرين. «الشعب يريد شاليط آخر» بالنسبة للعديد من الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة، يعتبر إتمام صفقة شاليط وإطلاق سراح العديد من السجناء مقابل رجل واحد فقط دليلا على كون إسرائيل لا تستجيب إلا بالتهديدات، مما جعل العديد منهم يصرخ «الشعب يريد جلعاد جديد..الشعب يريد جلعاد جديد»، من الذين تجمعوا في مسيرة برعاية حماس في غزة لاستقبال السجناء المفرج عنهم. ومن جانب آخر، أعلنت عائلة ليفمان، التي تقطن في مستوطنة «يتسهار» قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية عن جائزة مالية بقيمة 100 ألف دولار لمن يقتل أسيرين فلسطينيين محررين ضمن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس بادعاء أنهما قتلا اثنين من العائلة قبل 13 سنة. وأفادت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن عائلة ليفمان نشرت الإعلان عن الجائزة المالية في أعقاب تنفيذ صفقة تبادل الأسرى أمس، مضيفة أن الأسيرين المحررين خويلد ونزار رمضان، من قرية تل القريبة من نابلس، أدينا قبل 13 سنة بقتل شلومو ليفمان وهارئيل بن نون، خلال تجولهما في منطقة مستوطنة «يتسهار». ويشار إلى أن أحد الأسيرين المحررين تم إبعاده إلى قطاع غزة فيما تم إبعاد الآخر إلى تركيا.