أسلوب الترغيب والترهيب والوعد والوعيد: عندما ندور مع أسلوب القرآن الكريم حين مخاطبة المكلفين نلحظ أنه يضم في طياته -وهو يحاور المعاندين والمنكرين والمخالفين- أسلوب الترغيب في الحالات التي يرى أنه أجدى وأنفع، الترهيب عندما لا ينفع إلا هذا الأسلوب، ولكن منهجيا يقدم أسلوب الترغيب أولا، وهذا منهج قرآني، لأن الأصل هو دعوة الناس إلى الخير وبيانه للناس بصيغة التجسيد والترغيب فيه، ومما لاشك فيه أن هذا الأسلوب يحرك المشاعر والقلوب التي علقت بها أشكال من الأدران فهي مقفلة لا تجد للحق طريقا. فانظر مثلا إلى هود عليه السلام وهو يخاطب قومه لما قال: "وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين"سورة هود: 52، وهكذا لن تجد بين ثنايا هذه الآية إلا خطابا مرغبا في التوبة، وما يلي هذه التوبة من القوة الإضافية وغيرها، ولذلك فالمتأمل في عبارات من مثل هذا الخطاب يرى أن القلب الذي يملك قابلية للانشراح لن يزيده هذا الخطاب إلا إقبالا، حتى إذا لم ينفع هذا الأسلوب كما يحدث في الواقع، وكما جاء في القرآن الكريم يكون اللجوء إلى أسلوب الترهيب والوعيد لبيان الحقيقة من وجهة أخرى وبأسلوب آخر، كما فعل هود عليه السلام نفسه مع قومه وهو يرهبهم:"وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"سورة الأحقاف 20. وهكذا "لما كانت النفوس من شأنها طلب النتائج و المآلات، وكانت المآلات في الشرع من جنس الأعمال، إن خيرا فخير، أو شرا فشر، كان من المقاصد الأصلية للشارع في مخاطبة الناس بجملة التكاليف الشرعية المزاوجة بين الترغيب والترهيب أو بين الترجية والتخويف أو بين البشارة والنذرة. الرفق والرحمة: إن استعمال القرآن لهذا الأسلوب كثير، وقد سيق هذا النوع من الخطاب في القرآن من أجل التوصل إلى حقيقة مهمة جدا هو أن الحوار دائما يحتاج؛ إلى الحب والود واستيعاب المخاطب بالرأفة والمحبة قال الله تعالى: "قال يقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العلمين"سورة الأعراف 66. ثم نموذج الحوار اللطيف الذي دار بين إبراهيم الخليل عليه السلام وأبيه حول عبادة الأصنام قال تعالى: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا، يأبت إني قد جاءني من العلم ما لم ياتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا، قال أراغب أنت عن ءالهتي يإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا، قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا، وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا"سورة مريم : 40-48، فانظر يرحمك الله إلى خطاب الرحمة هذا رغم الاختلاف الجذري بين إبراهيم وأبيه المتمثل في أصول العقيدة، فما بالك في الخلاف حول أمور فرعية. وهكذا فالآية بدأت في الحوار بتأكيد معاني البنوة والأبوة التي تقتضي الرحمة وصدق الود وخالص المشاعر، مع استعمال الحجج العقلية التي تقتضي أن الأصنام ليس لها القدرة على امتلاك الضر أو النفع لنفسها فبالأحرى لغيرها، فيما قابل إبراهيم عناد أبيه ووعيه بالصفح ودعاه إلى التمهل، وهذا من أرقى المناهج التي يجب على الدعاة أن ينتهجونها في مسيرتهم الدعوية. إذن هذا أسلوب لابد أن يكون مقررا في حقل الدعوة عند الحركة الإسلامية أساسا، لما يحتوي عليه من آليات لامتلاك العقول والقلوب، حتى لا يكون الخطاب متعسفا سلطويا يشكل نوعا من المفاصلة بين المخاطب والمخاطب وقد يشكل نوعا من الإرهاب والعنف الرمزيين اتجاه الآخرين. التسامح: إنه منهج انتهجه أغلب الأنبياء والمرسلين مما يؤكد جدواه نسبيا، لكن في المواطن التي يرى أن هذا الأسلوب أنفع، ولذلك وجب الوقوف على مسألة فقه الحالة والمحيط لترتيب هذه القاعدة .ومن أمثلة ذلك، قوله تعالى على لسان يوسف: "قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين"سورة يوسف 92 .... فالتسامح إذن فضيلة لا يحسنها الكل بما تحتاجه من ضبط كبير للنفس، وفهم واسع لمقاصده الكلية عند مخاطبته الناس واستيعابه الأكبر لرسالته في الوجود.