لعيد العرش هذه السنة ميزة خاصة تميزه عن غيره. فقد جاء بعد الورش الدستوري، وما تلا ذلك من متابعة هذا الورش من إجراء انتخابات نزيهة وشفافة عبرت عن إرادة الشعب وأفرزت الحكومة التي أنيط بها التنزيل الديمقراطي للدستور. وقد جاء خطاب العرش يعكس هذه المضامين، ويقدم رؤية المؤسسة الملكية للحراك الديمقراطي، ويؤسس لفرادة النموذج المغربي والمرتكزات التي يقوم عليها. عموما يمكن أن نتوقف هذه السنة على أربع دلالات مستفادة من خطاب العرش: 1 التأكيد على أن الإصلاحات التي قام بها المغرب هي بقرار إرادي سيادي محض، يعكس التجاوب الدائم بين الإرادة الملكية والإرادة الشعبية، كما أن هناك تأكيدا على أن الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب عشية الحراك الديمقراطي إنما هي استمرار لمسار إصلاحي طويل انخرطت فيه المؤسسة الملكية، منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وذلك بدءا بالورش الحقوقي تجربة الإنصاف والمصالحة وما تلاها من توجه نجو توسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان وتعريجا بالورش اللغوي رد الاعتبار للأمازيغية ثم الورش الأسري مدونة الأسرة وذلك بتزامن مع إصلاح الحقل الديني، مع الاستحضار الدائم للبعد الاقتصادي والتنموي خاصة منه الاجتماعي – سياسية الأوراش الكبرى والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية الإشارة القوية في هذا المعنى، أن ورش الإصلاح السياسي والدستوري، لم يكن غائبا في التقدير الاستراتيجي، وإنما كان ينتظر موقعه ضمن «السياسة المتبصرة والاستراتيجية المتدرجة» التي انتهجتها المؤسسة الملكية اعتبارا لما يمليه تفعيل الاختيارات على أرض الواقع «من تحديد الأسبقيات وترتيبها». 2 التأكيد على أن التجاوب مع الانتظارات الاجتماعية كان وسيظل في قلب اهتمام المؤسسة الملكية، وأن هذا الانشغال استراتيجي، وليس مجرد جواب عن ظروف طارئة، وقد حرص الخطاب الملكي على تأكيد استمرارية هذا الانشغال من خلال إشارتين، تتعلق الأولى بتوسيع وتقوية أنشطة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتتعلق الثانية بتوفير شروط تفعيل هذا البرنامج، وبذل الجهود لإنجاح برنامج «راميد» للتغطية الصحية، وحثها على التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين. 3 تحديد الخطوط الكبرى للمشروع الإصلاحي المؤطر للمرحلة، والمداخل التي ينبغي للحكومة اعتمادها من أجل إعطاء مضمون للإصلاح، وقد حصر الخطاب الملكي هذه الخطوط في ثلاثة عناوين أساسية: إصلاح منظومة العدالة، والجهوية الموسعة، وإصلاح الإدارة العمومية، وحدد مدخلين أساسيين لتحقيق هذا المشروع: الحكامة الجيدة، وإبداع آليات جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي سواء من خلال مضاعفة العناية بالقطاعات الحيوية كالفلاحة والسياحة وتوفير شروط التكامل بينها، أو استجلاب استثمارات خاصة من دول الخليج عبر تفعيل الهيأة المغربية للاستثمار. 4 تحديد الخطوط الكبرى والمبادئ المؤطرة للدبلوماسية المغربية سواء بخصوص قضية الصحراء أو العلاقة مع الدول المغاربية، الدول العربية والإسلامية أو الدول الإفريقية، أو منطقة الساحل والصحراء ، أو الجوار الأوربي، أو القضية الفلسطينية، و بقية الدول وخاصة منها الدول النامية. ومع أن معظم هذه العناوين والمداخل قد تم التأكيد عليه في خطابات سابقة، إلا أن هناك العديد من الإشارات السياسية التي يمكن التقاطها من هذا الخطاب، نركز منها على أمرين: › الدعم الملكي للحكومة والمتمثل أساسا في دعم إصلاح منظومة العدالة، ودعم توجه الحكومة في سياساتها القائمة على تفعيل مبدأ الحكامة خاصة منها المالية وحثها على الاستمرار في هذا الاتجاه لتحسين صورة ومصداقية المغرب أمام المنتديات الدولية، ويتمثل هذا الدعم أكثر من خلال استحضار الإكراهات الاقتصادية الدولية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد الوطني وحث الحكومة على عدم الاكتفاء بسياسة ترشيد الثروة، وإنما أيضا بالبحث عن تمويلات جديدة يمكن أن تقوي الاقتصاد الوطني وتدعم تنافسيته وقدرته على مواجهة تحديات الأزمة العالمية. › التركيز على بوابة العلاقات الخارجية للمغرب، واستثمار التحولات التي حدثت خاصة في العالم العربي واعتبار ذلك فرصا تاريخية من أجل البحث عن أسواق جديدة واستثمارات جديدة وتكتلات اقتصادية يمكن أن تعود على الاقتصاد الوطني بالعافية. ولعل هذا ما يفسر التفصيل الذي ورد به الخطاب الملكي في هذه القضية سواء في رسم محاور السياسة الخارجية المغربية أو مبادئها عند كل محور على حدة.