إذا كان شهر رمضان يتسم المسلمين بكونه شهر العبادات والطاعات، وشهر تغفر فيه الذنوب ويتقرب فيه العبد اكثر إلى ربه عز وجل، فإن شهر القرآن الكريم كرس عند فئة مهم من المجتمع عادة الاستهلاك المفرط والباذخ، في الاستهلاك في المواد الغدائية أساسا. ويرى عدد من الخبراء أن هناك حاجة إلى إجراء الفرد تغييرًا وتحولا في حياته الفردية والاجتماعية في شهر رمضان، على اعتبار أن الصيام هو عبادة تتيح الفرصة أمام الفرد لإنشاء حياة نفسية وجسدية ودينية جديدة، بينما استمرار جنون الاستهلاك لا يتوافق مع روحانية رمضان، معتبرًا أنه يفسد العبادة من جهة ويؤثر بشكل سلبي على التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع. ويرى ابراهيم الحمداوي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، أن "السلوك الاسهلاكي للفرد في رمضان ليس عقلانيا بالقدر الكافي، حيث أفراد المجتمع يستهلكون أكثر من اللازم، نظرا لأن الثقافة الشعبية والعادات الاجتماعية، هي التي تتحكم في سلوك الفرد"، وقال الحمداوي في تصريح ل"التجديد"، "في شهر رمضان ترتفع الرغبة في الشراء والاستهلاك، ويستهلك الفرد أكثر مما يحتاج، وهو ما يظهر جليا من خلال تضاعف القمامة في رمضان، لأن الكثير من الأشياء يستهلكها الفرد في رمضان لأن الآخر يستهلكها، ويغيب كل الحس العقلاني نقدي أو استقلالية في عادات الأكل والشرب بصفة عامة". واعتبر عبد الحي الوادي، خطيب مسجد زيد بن ثابت بفاس، أن الاستهلاك المفرط للمأكولات والمشروبات في رمضان من النقائص التي تخل بمقاصد الصيام، وقال الوادي في تصريح ل"التجديد"، "الله تعالى فرض علينا رمضان بهدف وقايتنا والتيسير علينا"، وقال الله تعالى في معرض حديثه عن الصيام (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقال صلى الله عليه وسلم (الصيام جنة..)، أي وقاية من كل ما يضر الإنسان في الدنيا والآخرة، يضيف الوادي، "ففضلا عن كونه وقاية من النار فهو وقاية من كل الأمراض الناجمة عن الزيادة في الوزن أو ما تسمى بأمراض التخمة". واستعرض الوادي مقاصد الصيام الصحية، وذكر منها "تخليص المعدة من الشحوم التي تراكمت فيها طيلة السنة، ولا يتحقق ذلك إلا حينما يكتفي المسلم بالقليل من الأكل بعد الإفطار، أي ما يسد الرمق ويشبع البطن بغير إسراف"، قال تعالى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، ويرى المتحدث أنه "إذا كان هذا الأمر عاما في كل السنة، فكيف برمضان الذي فرض بهدف تحقيق مجموعة من المقاصد الاجتماعية، كالإحساس بآلام الفقراء ومكابدتهم للجوع طيلة السنة، والصبر والمواساة"، ويتسائل الخطيب والواعظ بمساجد فاس، "فكيف للمسلم أن يشعر بهذا ويحقق مقاصد الصيام وهو يضاعف من استهلاكه لكل ما لذ وطاب من النعم في رمضان؟"، مؤكدا أن "رمضان ليس شهر استهلاك إنما هو شهر العبادة والخضوع لله والطاعة والتزود الإيماني". وتشير بعض الدراسات التي أجريت حديثاً أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة، وبلغة الاحصاءات والأرقام، فإنه خلال غحدى السنوات، قدّر نصيب شهر رمضان من حملة الاستهلاك السنوي في إحدى الدول العربية بما نسبته 20 %، أي أن هذه الدولة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان، خمس استهلاكها السنوي كله، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس الباقية، وقد يكلّف رمضان في ذلك العام الخزانة حوالي 720 مليون دولار. كما تناولت دراسة ميدانية عن الإسراف والتبذير في المأكولات المرمية في مدينة واحدة في إحدى الدول، فكانت النتيجة أن الإسراف اليومي نحو مليون ليرة والإسراف السنوي 365 مليون ليرة.