أوضح الله سبحانه "أنه لا اكراه في الدين" سورة البقرة 255، وقد اقتضت مشيئة الله تعالى أن ينقسم الناس إلى مؤمنين وكفار، قال تعالى: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مومن" سورة التغابن 2، وقد وضع القرآن دستورا لعلاقة المسلمين مع غيرهم، وجعل" أساس العلاقة مع غير المسلمين قوله سبحانه "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"سورة الممتحنة9-8 ... ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين منزلة خاصة في المعاملة والتشريع. والمراد بأهل الكتاب: من قام دينهم في الأصل على كتاب سماوي... فالقرآن ينهى عن مجادلتهم في دينهم إلا بالحسنى، حتى لا يوغر المراء الصدور، ويوقد الجدل واللدد نار العصبية والبغضاء في القلوب، قال تعالى:"ولا تجدلوا اهل الكتب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون"سورة العنكبوت 46. ويبيح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم، كما أباح مصاهرتهم، والتزوج من نسائهم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان العفيفات ...قال تعالى: "وطعام الذين اوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم" سورة المائدة 6. كما لأهل الكتاب في دار الإسلام- وهم جزء من أهل الذمة- حقوق كثيرة، من ذلك حق الحماية من الاعتداء الخارجي والظلم الداخلي وحماية الدماء والأبدان وحماية الأموال والأعراض وحرية العمل والكسب وتولي وظائف الدولة.. ومن القيم السامية في التعامل مع كافة الشرائع السماوية ضمان حريتهم في العقيدة، وحماية أماكن عبادتهم. وقد حفل الواقع التاريخي للأمة الإسلامية في مختلف عصورها، وشتى أقدارها، بأروع مظاهر التسامح، الذي لا يزال الناس يتطلعون إليه إلى اليوم في معظم بقاع الأرض فلا يجدونه؛ فهذا نبي الرحمة قد أعطى "مثلا أعلى لمعاملة أهل الكتاب، فقد روي أنه كان يحضر ولائمهم ويشيع جنائزهم ويعود مرضاهم ويزورهم ويكرمهم، حتى روي أنه لما زاره وفد نصارى نجران فرش لهم عباءته وأمرهم بالجلوس عليها، وروي أنه كان يقترض من أهل الكتاب نقودا ويرهنهم أمتعته"، وهذا "عمر الفاروق حين حضرته الصلاة في كنيسة فلم يصل فيها حتى لا يتخذها الناس مسجدا من بعده فيظلموا أهلها"، كما نجد عمر بعد فتحه لبيت المقدس أمن أهلها من أهل الكتاب على دينهم وكنائسهم ودمائهم وصلبانهم ومنحهم حرية التنقل، وعلى هذا النحو سار الخلفاء الراشدون ومن بعدهم خلفاء المسلمين على امتداد التاريخ، و شهد لذلك الخصوم قبل أهل الإسلام. ومن الغربيين من اعترف بفضل الإسلام على الحضارة الإنسانية عامة والحضارة الغربية خاصة، مما دفع بكثير منهم إلى الدخول في الإسلام، ومنهم من ظل رهين الثقافة الاستعمارية والصليبية يثير الفتن ويدفع في اتجاه الصراع والصدام بين الحضارات وخاصة مع الإسلام. كما وجدنا تكالب اليهود والنصارى على بلاد المسلمين واستعمارها واستنزاف ثرواتها والعدوان على الإسلام وشعائره ولد لدى العرب والمسلمين شعورا بالظلم ترتبت عليه ردود أفعال لا تنسجم دائما مع قيم الإسلام العظيمة. لقد تقرر في الرسالة المحمدية الخاتمة عبر نصوص مستفيضة أن الدين الذي بعث الله به جميع أنبيائه ورسله دين واحد لا يتعدد ألا وهو الإسلام الذي أساسه التوحيد، ومن ثم لا يحق القول الديانات السماوية، بل نقول الشرائع السماوية أو الرسالات السماوية، على اعتبار أن كل رسالة اختصت بشريعة تتناسب مع الزمان والمكان مما يستجيب وحاجات الناس ومقتضيات العصر، ومما يحقق للعباد مصالحهم ويدرأ المفاسد عنهم. وقد اكتمل بناء الإسلام مع خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والذي تميزت رسالته بالشمولية والربانية الخالصة والصلاحية لكل زمان ومكان. هذه الرسالة الخاتمة التي وضعت دستورا للتسامح مع أصحاب الرسالات السماوية الأخرى من خلال قيم ومبادئ وأصول تجسدت من خلالها عظمة هذا الدين وعلو شأنه بين العالمين، والذي يحتاج منا كمسلمين أن ندعو الناس إلى أحكامه وشرائعه لاستئناف حياة إسلامية قوامها تحكيم كتاب الله سبحانه عقيدة وشرعة ومنهاجا.